فاختلجت عيناها كالزئبق المترجرج وقالت: كم يقتضي العلاج من الزمن؟ - أسبوعين على أقل تقدير ومع أكبر عناية. - أواه .. إنه الدمار. - فإصابة زوجك محتومة. - من الميسور أن أدعي توعك المزاج هذه الفترة وأن أباعد ما بيني وبينه حتي أبرأ. - فإن كان قد سبق السيف العذل؟ - أواه يا سيدي .. لا يمكن أن أنتحر مختارة، ثم إن زوجي رجل مستقيم يصعب علي صكه بالحقيقة المروعة .. فدع الأمور تجري على مشيئة الله؛ فلعل الله حفظه من الأذى، وعسى أن يجعل من بعد عسر يسرا.
وساد سكون عميق مؤلم .. وكأن المرأة تذكرت شيئا فجأة فنظرت إلى الطبيب جزعة وسألته: سيدي، هل يبقي هذا سرا مكتوما؟ - طبعا .. طبعا .. اطمئني إلي كل الاطمئنان؛ فصدر الطبيب مقبرة للأسرار لا تنبش أبدا.
فتنهدت من قلب مقروح وقالت: إذن فلنبدأ من الساعة .. وسأوالي الحضور إلى هنا كل صباح إلا يوم الجمعة .. ولأنتظر ما قدر لي.
ولما انتهى من عمله وهمت بالخروج استمهلها لحظة وجلس إلى مكتبه وسألها: ما اسم السيدة؟
فبدا على وجهها الرعب وسألت: ولم هذا؟
فقال يطمئنها: لا تخافي ولا تحزني .. إنها تقاليد متبعة .. انظري إلى هذا الدفتر تجديه مزدحما بأسماء المرضى وعناوينهم .. لا تخشي شيئا واذكري أني طبيب لا أكثر ولا أقل.
فقالت وهي تتنهد: حرم محمد عباس أفندي موظف بوزارة الأشغال. •••
وفي صباح اليوم الثاني جاءت السيدة وقد قالت للطبيب إن ما يبدو على وجه زوجها من الهدوء والصحة ينعش الأمل المحتضر في صدرها.
فلما أن كان المساء دخل على الطبيب زائر جديد في الثلاثين، مليح القسمات طويل القامة، تسم وجهه آيات الذكاء والجسارة، فحيا الطبيب قائلا: مساء الخير. - مساء الخير.
فضحك ضحكة جهد نفسه أن تكون مرحة طبيعية، ولكنها لم تستطع أن تخفي القلق المساور لنفسه وقال: أصبت يا دكتور. - بمه؟ - بالذي يصاب به من يقصدونك. - وا أسفاه! - أتأسف حقا يا دكتور .. أيرضيك أن يزدجر الناس عن الهوى وأن تخسر جمهور المترددين عليك؟ - لا أظنك قد جئت إلى هنا لتتفلسف .. اتبعني إلى هذه الحجرة .. ولكن انتظر لحظة، أرجو أن تملي علي الاسم الكريم. - محمد عباس .. أنا جارك يا دكتور، وإن شئت أن تعرف صناعتي فأنا مهندس بوزارة الأشغال.
Página desconocida