Portadoras de Ofrendas: Sobre la Grecia Antigua
حاملات القرابين: عن اليونانية القديمة
Géneros
الإهداء
تقديم
حاملات القرابين
يومينيديس أو الرحيمات
الإهداء
تقديم
حاملات القرابين
يومينيديس أو الرحيمات
حاملات القرابين
حاملات القرابين
Página desconocida
عن اليونانية القديمة
تأليف
إسخيلوس
جمع وترجمة
أمين سلامة
الإهداء
نظم الأستاذ فهيم سوريال - مشكورا - هاتين القصيدتين يرثي بهما شقيقي الحبيب المرحوم الأستاذ الدكتور أنيس سلامة.
وإني إذ أهديهما إلى روحه الخالدة أسأل المولى أن يرحمه رحمة واسعة، وأن ينزله من لدنه منزلة الأبرار.
دمعة على الحبيب
فقيد الطب والخلق الكريم
Página desconocida
تودعك القلوب من الصميم
ينوح عليك من شجن غريب
فكيف الحال بالبيت الكريم
هوى الركن الركين ومال صرح
فهل للركن بعدك من مقيم
قضيت شباب عمرك في جهاد
وباهى الطب بالفطن العليم
وكنت بعلمك الفياض بحرا
يحج إليه مغترف العلوم
وكنت الطود إن عصفت رياح
Página desconocida
على روح أخف من النسيم
حبيت مهابة لا كبرياء
وما أبهى الرزانة في وسيم
لقد شهد الخصوم لعبقري
كفى شرف الشهادة من غريم
نعاك ذوو الضمائر من رفاق
فصفحا منك عن صمت اللئيم
سينصفك الذي خلق البرايا
وموعدنا مع اليوم العظيم
أخي وحبيب عمري من قديم
Página desconocida
سيبكيك الجديد مع القديم
بمناسبة مرور عام على وفاة فقيد الطب والإنسانية
مضى عام ودمعك لا يجف
على غال ننوح ولا نكف
قضاء الله ليس له مرد
فسله اللطف إن أغناك لطف
أخ أدى الرسالة في وفاء
قليل الناس من أدوا فأوفوا
أخا الباكين في حزن رهيب
تخف الراسيات ولا يخف
Página desconocida
بررت بهم على مر الليالي
ورب أب مع الأيام يجفو
ترامى النعي فاحترقت قلوب
عليك تجمعت وابتل طرف
فلا صبح على خير تقضى
ولا ليل يهادنهم فيصفو •••
حبيب القلب كنت له طبيبا
إذا ما انتابه وهن وضعف
كشفت الداء في آلاف مرضى
وعز لدائك المكنون كشف
Página desconocida
قضيت ولم تقل لذويك حرفا
وكان يهزهم من فيك حرف •••
بنصف الدين عشت به تقيا
ورحت وأنت معتصم أعف
أكاد أرى بعيني الغيب روحا
تزف مع الملائك إذ تزف
لئن فارقتنا فإلى رحاب
لدى المولى وأنت عليه ضيف
تقديم
أيسخولوس
Página desconocida
حياته ومؤلفاته
يحتل عصر أيسخولوس مكانا بارزا في المقدمة، في عصور تاريخ العالم التي تتميز بالطموح القومي والأعمال القومية المجيدة. ويزخر، في الوقت نفسه، بالأفكار الروحية المنعكسة في ذهن ذلك الشاعر الأستاذ؛ يحتل ذلك المكان جنبا إلى جنب مع شكسبير. فقد تجسم خياله في شعر من أسمى نوع وجد؛ في هيلاس
Hellas
في الجزء الأول من القرن الخامس، وفي إنجلترا في عصر الملكة إليزابيث. ولا يزال وحي ذلك الشعر ونموذجه ظاهرين في عصرنا الحاضر.
وقعت حياة ذلك الكاتب المسرحي الإغريقي في عصور مليئة بالاضطرابات الخارجية والداخلية، عصور العواطف الجياشة والمرح والعجب والأمل، عندما اكتشف المواطن الأثيني نفسه كفرد، لأول مرة. فلاحظ مظاهر الحياة بمتعة ذهنية، وباعتماد على النفس، وبروح عالية، وبنشاط جم مشغول بتنازع البقاء الحاد، الشخصي والقومي، بأمل وثقة في حسن الجزاء العادل، وبوعي دائم بمسئوليته إزاء الصالح العام. كان ذلك العصر عصر امتداد المعارف واتساعها، عصرا شاهد أحداثا برهنت على عزيمة أثينا وشجاعتها عندما طرحت عنها الجبين الذي كان لها في ظل الاستبداد، فطردت، في عصر هذا الشاعر، طاغية بيت بيزيستراتوس
، وعدلت الدستور في عهد كلايسثينيس
Cleisthenes ، حتى ضمنت في ذلك الوقت تأييد جميع مواطنيها، وكونت نظاما حكوميا يضمن للدولة طريقا حرا لزيادة التقدم نحو الديموقراطية الحقة. كما اكتسبت تلك المدينة في حياته قوة مادية تؤهلها للقيام بدور قيادي كقوة دولية في انتصار بلاد الإغريق على البربرية الاستبدادية التي هددتها لمدة جيل بالقضاء على كيانها السياسي. أبدى مواطنو ذلك الشاعر، في هذا الانتصار، بطولة في التضحية بالنفس والجرأة القهارة، ولما زال الخطر الفارسي وانمحى تماما كل احتمال لعودة الاستبداد الجائر للطغيان، شهد الجزء الأخير من حياة شاعرنا إعادة بناء أثينا التي هدم الغزاة معابدها ومنازلها، كما شهد الجزء الأخير منها بداية تلك التيارات القوية المتضاربة للحياة السياسية القديمة والجديدة، عندما أخذت الديموقراطية تشق طريقها الظافر بقيادة بركليس
. كانت أثينا، في شباب أيسخولوس، قسما سياسيا صغيرا يحكمه طاغية جامح الإرادة. وعند موته، كان أهل أثينا يحاربون في آسيا وفي مصر وفي قبرص، في آن واحد؛ ويسيطر أسطولهم على بحر إيجة، وكانت أثينا تسير بخطى ثابتة نحو تكوين إمبراطورية، تكسبها وتحافظ عليها بقوتها البحرية.
كان أيسخولوس ممثل الأدب الوحيد في ذلك العصر الزاخر بالأحداث البالغة الأهمية لكل من حكومة تلك المدينة والعالم الأكبر؛ ذلك العصر الذي تمثله في الحرب والسياسة شخصيات عملاقة، ميلتياديس
Miltiades
Página desconocida
وثيميستوكليس
Themistocles
وأريستيديس
Aristeides
وكيمون
Cimon ، كما يمثله في فن التصوير والنحت، وفن الخزف بولوجنوتوس
ومورون
Myron
وبروجوس
Brygus . وقد استجاب كل من هؤلاء إلى الحافز القوي الذي قدمته له بيئته. ولم يكن أيسخولوس مجرد متفرج، وإنما أسهم في حوافز عصره وحركته الجبارة، وساعد في جعل وقته يختلف تمام الاختلاف عن أوقات معاصريه سيمونيديس
Página desconocida
Simonides
وباكخوليديس
Baccchylides . وكما يصور هوميروس النزاع في عصر سابق، بفن يتميز بالخيال الجم والمشاعر التلقائية، كذلك يصور أيسخولوس العصر العظيم الثاني للفكر الإغريقي، وهو يقدم روح الحياة الأتيكية القومية الأكثر تفكيرا، كما جعلتها الحرب التي نشبت للدفاع عن استقلالها.
أيقظت الحرب المكتسبة بالثورة الشعب الأثيني، ونبهته إلى الوعي الذاتي، وحثته على إقامة الحكم الذاتي في ظل الحرية التي يحميها قانون شرعه شعب يحكم نفسه. وقد اكتسب كل من العدالة والنظام الإلهي للعالم أهمية لم تكن معروفة لشعب يشتغل سواده بالزراعة، انمحت وقتذاك حواجز ذلك العالم الإقليمي الأكثر ضيقا. واتحدت كلمة الناس إذ رأوا الخطر الخارجي، وأحسوا بدافع يدفعهم إلى الوحدة الروحية التي لم تكن معروفة من قبل، وبشعور قوي بالوحدة سرعان ما ذاب بفعل النفوذ المركزي للعمل السياسي الإغريقي. أثر التحول إلى العالم الخارجي في كل من السياسة والمجتمع، وهزيمة الغطرسة البربرية، والاتحاد السريع للمدافعين عن حرية بلاد الإغريق؛ أثرت كل هذه العوامل على أيسخولوس، فساقته إلى فكرة نشأة البشرية وتطورها، ونشأة الآلهة أنفسهم وتحولهم من الطغيان إلى الحرية، ومن القتال إلى السلم، ومن الشقاق والخصام إلى المحبة والوئام. فقلت الاضطرابات والفوضى والبربرية، وحلت محلها المساواة التي هي أساس القانون والنظام.
لم يكن تطور أثينا القديمة هذا بأسرع من تطور الفن التراجيدي على يد مؤسسه الحقيقي ... فقد أبدى فن الأدب في هذا العصر تطورا سريعا لا يعادله أي تطور في التأريخ، شأنه في ذلك شأن المعمار والنحت.
عرض أيسخولوس أولى مسرحياته في سنة 499ق.م. ولم تمض غير ثلاثين سنة فحسب على إقامة بيزيستراتوس، الذي أخضع الطغيان بحمايته للفنون، مباريات سنوية في التراجيديا، في عيد ديونيسيا
Dionysia
المدينة. فشهد ثيسبيس
Thespis ، في هذه المباراة، شاعرنا التراجيدي الأول، الذي عرضت مسرحياته في الاحتفالات القروية ونالت الجائزة. نال أيسخولوس أول فوز له في سنة 484ق.م. أي قبل موقعة سالاميس
Salamis
Página desconocida
بأربعة أعوام. ومنذ ذلك التاريخ حتى وفاته في سنة 456ق.م. كان هو الشاعر التراجيدي الأول لعصره.
بوسعنا أن نخمن، نظرا لغياب الأدلة المادية، على أن هذا الفن، كما تلقاه ذلك الشاعر، كان يتألف من أغاني الكوروس فحسب، يتخللها بعض السرد مع حوار قصير بين قائد الكوروس وشخص يمثله ممثل واحد أدخله نبوغ ثيسبيس. لم تكن هناك خطة بالمعنى الذي عرف فيما بعد، ولا تقدم حقيقي في الفعل الدرامي، ولا تصوير للشخصيات. وكان الفن، كما تركه، قد بلغ ذروة إمكانيات التعبير الأصلي. أخذ أيسخولوس أساطيره ومادة قصصه من هوميروس وهسيود
Hesiod
ومن الشعراء الدوريين، ومن الأشعار الشجوية والرجز والشعر الغنائي، ولا سيما شعر ستيسيخوروس
Stesichorus ، ومن كتب الحكم القديمة، ومن كتاب النثر القدامى والمعاصرين، الذين تناولوا الأساطير الموروثة في كتاباتهم؛ أخذها أيسخولوس ونفخ فيها نفسا من روحه، ووجد فيها تعبيرا لأفكاره الشخصية عن الأمور البشرية والإلهية. ويرجع الفضل في تحويل أشخاص عصر البطولة إلى شخصيات درامية زاخرة بالإرادة والعاطفة، تعمل بواعثها السهلة الفهم على حث العمل الدرامي ودفعه قدما إلى الأمام، إنها شخصيات، حتى ولو كانت فردية، فإنها لا تقل معاصرة لكل عصر؛ لأنها نموذجية في بشريتها العالمية، نقول يرجع الفضل في هذا إلى خيال ذلك الشاعر الخصب، وإحساساته الأخلاقية والدينية، وفكره البحاث المتأمل، أكثر مما يرجع إلى عقله وذكائه. وإن مقدرته على الإلمام بأفق أوسع، وتصوير أشخاص عائلات بأسرها أو شعوب بأكملها، لأعظم من قدرته على جعل أشخاصه الفرادى يتسمون بطابع الفردية. وإن متعته في الفرد لأقل من متعته في الأسرة أو في الجماعة القومية التي ينتمي الفرد إلى حظوظها. لا تجد موهبته الشعرية بصفته مواطنا أثينيا ذا صلة بالحياة في عصر من التطورات السياسية والاجتماعية المحمسة في وقت كان اتجاه إحساس الإنسان فيه إلى حريته الروحية أقل من اتجاهه إلى حريته السياسية، لا تجد تلك الموهبة تعبيرا إلا في فن - رغم حداثة خلقه - أرسل صوته مدويا أكثر من سائر الفنون الأخرى، يعبر عن غريزة عصره وقومه. كان ذلك الفن وحده هو الذي يملك القدرة على تصوير الروح الجماعية لحياة شعب حر لم يقم بدور مضاد في المجتمع الذي يصوره شاعر البطولة العظيم، الذي لا يزال قصصه عن الحرب والمغامرة يسيطر على إعجاب مجتمعات واسعة في وقت منافسة قصائد الشعراء المتجولين. وإذا كانت الأساطير القديمة غامضة غموضا فظيعا منذ أول نشأتها في وقت الشفق، فقد هذبها هذا الشاعر في ضوء الروح الصافية للعقيدة المبنية على العقل والصلاح ... اكتشف أيسخولوس وجود مادة أخلاقية ودينية في أساطير قومه، فحولها إلى مسائل خاصة بمصائر البشر، أو إلى عدالة الآلهة: فيتألم بروميثيوس
1
وتتألم إيو
Io
2
أمام عيوننا، فنجد أنفسنا في الحال وجها لوجه أمام سؤال عما إذا كان سيد أوليمبوس
Página desconocida
Olympus
3
إلها عادلا. وظن الشاعر نفسه في تلك المستويات العالية للفكر والعاطفة حيث يستطيع ملاحظة الخير والشر، وهما من عوامل القدر الغامضة التي تجعل من خلق الإنسان أداتها، وأوجد العلاقة بين العقاب والإثم، ومعنى الآلام ومعاملات الرب مع الإنسان، والوحدة الأساسية للهدف الإلهي. تناول أيسخولوس هذه الأفكار السامية، مبدئيا، كفنان وليس كواعظ، وشرع يوضح حالات عدم المطابقة، التي تمنعنا من أن ننسب إليه أي مذهب فلسفي أو ديني متعمد. لم يسلم معلم الدين أو الفيلسوف روحه إلى أية أسرار غامضة أو عقيدة. كان الإنسان أعظم من أعماله وهو الأعظم بين معاصريه، ولو أن العمل هو خلاصة عقل ذي عظمة روحية مثقل في طريقه القديم بأسرار جميع العالم غير المفهوم.
ما عادت الفلسفة في عصر أيسخولوس مجال الباحث في أسباب الأشياء، المنعزل ... وقد شمل المفكرون الأيونيون الإنسان في تأملاتهم على أنه جزء من مكونات الطبيعة؛ إلا في حالة اتصال الدين بالعلوم الطبيعية، كما هو الحال في فيثاغورث
. وجد أيسخولوس في الإنسان «مركز ثقل» العالم. وجده في الإنسان الذي يظهر تجاربه وأفعاله في بيئته، وفي عوامل النفوذ البعيدة التي انحدرت إليه من أسلافه في أجيال متتابعة. كانت لديه فكرة أو لمحة عن الأسباب المعقدة الكامنة وراء الأحداث البشرية. فاستطاع في مسرحية «بروميثيوس» على الأقل أن يجد نواة الفعل التراجيدي للباعث الناشئ من الداخل. والحقيقة أنه لم يوفق بين عناصر الحياة المتضاربة بيد أن سر فنه الكامل النمو، هو فهمه للعلاقة العابرة بين الأخلاق والأفعال والكوارث. وإذا كانت متنوعاته أقل من متنوعات يوريبيديس
Euripides ، وكذلك أقل من متنوعات سوفوكليس
Sophocles ، فإنه يرى الحياة كوحدة أكثر مما يراها هذان. فنسب الحقائق الخالدة للحكمة القديمة لقومه، والأمثال التي يتضمنها علم الأخلاق، إلى حياة الإنسان، وهي تعمل وتتألم. وفي الوقت ذاته أظهر تعميم استعمال هذه الأشياء في أشخاص الماضي الأبطال. شرع أيسخولوس، بعد أن استغل الظروف الملائمة له في دولته بعد انتهاء الحرب الفارسية، شرع يسيطر خطوة خطوة مع تكرار التجارب، على تكنية (القواعد الفنية) فنه الذي طور صورتيه الأكثر ميكانيكية (واللتين ليستا أقل روحية) وهما الموسيقي والرقص، حتى بلغتا ذروة الإتقان الذي تمتعتا به فيما يختص بالفن الدرامي. فزود التراجيديا بمبدئها المرشد للاستغناء عن عنصر الكوروس بالعنصر الدرامي الأكثر حيوية، والقادر وحده على الوصول بالمشاعر والحكم، الموحية للعقل البشري، إلى أسمى درجة. ويبدو أنه هو الذي ابتكر وحدة المجموعات الثلاثية والرباعية، التي عندما تحول إلى مسرحيات تتخللها مادة الأساطير، وكل منها عبارة عن مسرحية تتضمن فعلا دراميا كاملا هو جزء من مجموعة أكبر تمثل أرقى فكرة عن النبوغ الإغريقي في فن الدراما. والحقيقة أنه يعزى إلى أيسخولوس تطوير فن ناشئ إلى صورة فخمة، واختصر أثر الزمن في محو أعمال أسلافه. وصار بوسع خلفه أن يعملوا على ضوء وهدي أعماله، وقد أطلق العنان لفهمهم وخيالهم أن يسرحا في مجال أوسع، بواسطة فهمه وخياله هو نفسه. ولا يدين بفنه إلى أي شخص أعظم من نفسه. وبالاختصار، كان هو مشرع التراجيديا في العالم. ولم يسع إلى مطابقة فنه لذوق عصره، بل كان يرمي إلى أن يضفي على ذلك الذوق نبلا في ضوء عالم نموذجي. وإذ تناول آفاقا أبعد مما تناول أسلافه، كرس جهده ل - «الزمن
Time » الذي أطلق عليه معاصره بندار
4
اسم «سيد الخالدين» و«خير حام للرجال العادلين».
Página desconocida
ولد أيسخولوس في سنة 525/524ق.م. تبعا لما اتفق عليه بالإجماع في العصور القديمة، وهذا تاريخ قد يكون صحيحا تقريبا. وكان والده يوفوريون
Euphorion
مواطنا أثينيا من منطقة إليوسيس
Eleusis . وكانت إليوسيس هذه دويلة لم تمح ذكرى استقلالها في القرن السابع - هذا إذا نسبت إلى هذا العصر أنشودة هوميروس التي نظمها في الربة ديميتير
Demeter
5
والتي تسجل أنه كان يحكمها ملك وطني. وصحب إدماج المجتمع الصغير في المجتمع الأكبر طقوس دينية تتعلق بالأسرار الدينية التي رسم لمعرفتها كل رجل من أصل هيليني. وظلت صفات وأخلاق أهل إليوسيس، حتى القرن الرابع، تميزهم عن المواطنين الأثينيين. ويبدو أن يوفوريون كان أحد أعضاء طائفة النبلاء، وكان واسع الثراء. كان أيسخولوس، بحسب مولده، من طبقة اجتماعية أرقى من طبقتي سوفوكليس ويوريبيديس. ويعرف الرجل النبيل العريق الأرومة بقوله: «هو من كان نبيل المولد، يتبوأ عرش الشرف في سمو ورفعة» ويصف ذا الثروة القديمة بالعطف على عبيده. وكان ذا رقة إنسانية ورحمة بعامة الشعب أكثر من معاصره الأريستوقراطي بندار؛ وقد بني النبيل الأثيني على نمط يختلف عما بني عليه الأريستوقراطي البيوتي
Boeotian
أو الدورياني
Dorian . ورغم مركز أيسخولوس الاجتماعي فلم يأنف من التمثيل في مسرحياته. ولسنا بحاجة إلى أن ندهش لهذا. فقد كان دور الشاعر المسرحي، في عصره، مصحوبا بدور الممثل وبالمهارة في الموسيقى وفي فن الكوروس، وبمجموعة من الوظائف التي لا تمنع صاحبها من خدمة المجتمع في كل من المجلس والحقل. وقد حققت الدراما الناشئة فائدة عظمى من قيام الشاعر بالتمثيل. يجب على الممثل أن يترجم مبتكرات شخصيته الثانية إلى صوت وبصر.
Página desconocida
لما كان أيسخولوس يوباتريديا
eupatrid
6
فقد كان عضوا في الأريستوقراطية القديمة التي أشارت الأسطورة في خلقها إلى ثيسيوس
Theseus .
7
والحقيقة أن المميزات السياسية لهذه الأسر الموجودة في مختلف المناطق التي تمتاز بالثروة وبالقوة، قد اكتسحتها إصلاحات كلايسثينيس
8
مع كثير من الطقوس المحلية التي قامت بدور بارز فيها. ومع ذلك، فإن هيبتها الاجتماعية ونفوذها المهيمن على الصفة الصورية للوظائف الدينية في الدولة، ظلا باقيين لمدة قرن بعد ذلك. وقد اتصلت هذه بظهور عبادة ديونيسوس
Dionysus ،
Página desconocida
9
ومن المحتمل أن الراغبين في التطهر من التلوث بجريمة الدم كانوا يلجئون إليها. أما في إليوسيس، فقد نظمت أسرة اليومولبيداي
Eumolpidae
اليوباتريدية ملاحظة طقوس الأسرار الدينية، وقدمت رئيس الكهنة الخاص بالعيد، وكونت هيئة تفسير القانون المقدس، كما كونت، في حالات معينة، محكمة للنطق بالحكم في قضايا المخالفات الدينية. كذلك كانت هناك طائفة يوباتريدية أخرى هي طائفة الكيروكيس
Ceryces ، قدمت الكهنة الأقل أهمية، واشتركت مع عائلة اليومولبيداي في الاضطلاع بطقوس الرسامة الدينية. ولا نعرف إلى أية أسرة من أسر إليوسيس اليوباتريدية العديدة ينتمي هذا الشاعر. بيد أن مولده في ظل القداسة الشهيرة للأهداف الدينية الأكثر نقاء، قد ضمن لشبابه فترة أعده لمهمته فيها نفوذ الأسرار المقدسة الثابت فيما يختص بالأم وبالفتاة. ليس كمدرس للدين، وإنما كمعلم متدين لشعبه عن طريق الفن الدرامي.
بينما لا يمكن تفنيد احتمال تأثير هذا النفوذ على ذلك الشاعر النامي فإن هناك مسألة لا تزال بغير جواب: هل كان أيسخولوس من المرسومين فعلا لتلك الأسرار؟ فإذا كان كذلك، فلا بد أنه كان خبيرا بتلك الطقوس كاملة حتى لا يكون جاهلا بأية مظاهر يسبب إفشاؤها الكفر أو التجديف. فهل كان استقلاله عن الأخلاقيات السائدة وقتذاك، وميله إلى الهرطقة الميثولوجية التي نجد الدليل المناسب عليها في التراجيديات، وهل كان اتصاله القريب بالمعبد، قد جعله كل ذلك يحس بعدم الحاجة إلى التقديس الإليوسياني؟ ومع ذلك، يقول أريسطو، ويؤيده كلمنت
Clement
السكندري، إن ذلك الشاعر، عندما اتهم بالكفر لإفشائه نقطا معينة من تلك الأسرار، لجأ إلى تبرئة نفسه معتذرا بأن خطأه يرجع إلى التهاون؛ إذ لم يلاحظ أن المسائل موضوع التهمة كانت ضمن أسرار طقوسها. ويمدنا هيراقليديس بونتيكوس
Heracleides Ponticus
تلميذ أريسطو بتفاصيل (وربما كانت غير حقيقية) مؤداها أن أيسخولوس كاد يعدم في المسرح، ولكنه أفلت بالتجائه إلى مذبح ديونيسوس، وأنه عندما قدم للمحاكمة أمام الأريوباجوس
Página desconocida
Areopagus
10 (محكمة جنايات أثينا)، كان أهم ما استندت إليه المحكمة في تبرئته هو بلاءه الحسن وشجاعته في موقعة ماراثون
Marathon . غير أنه ما من أحد، سواء أكان هيراقليديس أو أيليان
Aelian
الذي يعرف ظروف هذه الواقعة بالضبط، يعرف ما فيه الكفاية ليذكر لنا اسم القطعة أو الموضوع الذي يؤاخذ عليه هذا الشاعر. والحقيقة أن الأقدمين لم يعرفوا المادة الموضوعية أو الذنب الموضوعي (كما هو عنوان المسرحية أو المسرحيات التي تتضمن هذا الذنب) بينما لا يزال حدسهم، وكذلك تخمين المحدثين ولا سيما ما يقول بأن مسرحية «يومينيديس
Eumenides » هي موضوع تلك التهمة؛ ولا يزال ذلك الحدس مفتقرا إلى الدليل المقبول. ومن المحتمل جدا في غياب الأدلة الكهنوتية التي تحمي المعتقد اللاهوتي ولا توجده، أن الكفر المنسوب إلى هذا الشاعر لا يختص بأي مذهب سري أو عقيدة سرية (لم تكن الأسرار الإليوسيانية
Eleusian Mysteries
عقيدية في أساسها، ولم يتورع أريستوفانيس
Aristophanes
عن إفشاء قوانينها مع تغيير طفيف)، بل بمظهر شكلي محض من الرموز الدرامية المعتبرة مقدسة في تلك الطقوس. أما الجمهور فيعزو هذا الأمر إلى إهمال الطقوس أكثر مما يعزوه إلى الهرطقة اللاهوتية. والحقيقة أن أيسخولوس اعتاد ذكر مصطلحات آراء التأملات اللاهوتية، ولكن يبدو أن هرطقته، على خلاف هرطقة دانتي
Página desconocida
Dante ، لم تكن مقصودة بالذات. بيد أن الاتهام لا يزال موجودا، ولو أنه ما من شاعر في بلاد الإغريق كان متشبعا بروح دينية متحمسة عميقة مثل أيسخولوس.
11
ومهما كان أصل استعمال الأشعار التي وضعها أريستوفانيس على لسان أيسخولوس عند بداية احتكاكه بيوريبيديس (الضفادع 886-887)، فإننا نعرف أن السطر الأول، على الأقل، من تأليف الشاعر الأكبر سنا: «أيا ديميتير، يا من تغذين روحي الغضة،
اجعليني أهلا لأسرارك.»
إذن، فمن الواضح جدا أن أريستوفانيس كان يعتبر أيسخولوس من المطلعين على تلك الأسرار، إلا إذا كان أريستوفانيس نفسه مذنبا في الشيء ذاته الذي اتهم به تاريخ حياته الأدبي كما وضعه الفلاسفة المتجولون. وسواء تعلم طقوس ديميتير المقدسة في وطنه، أو لم يتعلمها هناك، فإنه لم يرسم في إليوسيس، وإنما نال تلك الرسامة في ماراثون وسالاميس، فجعلته واضع «قوانين الرب».
لما كان هذا الشاعر إليوسيانيا، فقد كان عرضة لنفوذ أثينا المجاورة حيث كان يعقد جزء من الاحتفال الرئيسي بتلك الأسرار. ولا يمكننا الحط من قيمة الحافز الجديد الذي أضيف إلى خياله الشاب بوجود رجال في أثينا، في عهد هيبارخوس
Hipparchus
ابن بيزيستراتوس، ملمين بالشعر الكهنوتي والوحي وطقوس التكفير والتطهير، في وقت الحماس الروحي، إذ كان الناس يتسابقون، بدافع المشاعر الدينية والأخلاقية إلى الحصول على التطهير من الذنوب وراحة البال من الآثام. فالشاعر الذي تضم مؤلفاته شيئا من الآثار المباشرة للأسرار الإليوسيانية لا بد أن كان ذا معرفة بتعاليم فيثاغورث. وإن بعض إشاراته إلى محاكمة المجرمين ومعاقبتهم بعد الموت على الجرائم التي اقترفوها في هذا العالم المستقاة من المصادر الأورفية ما في ذلك أدنى ريب.
ولما كان أيسخولوس شاعرا مدربا على القتال، فقد أدى الخدمة العسكرية في ماراثون عند أول التحام عظيم مع الفرس الغزاة، وفي سالاميس. وربما كان أحد الجنود الثقيلي التسليح، الذين أبادوا، بقيادة أريستيديس،
12
Página desconocida
تلك القوة المرابطة في جزيرة بسوتاليا
. وللرغبة في السمو بشهرة هذا الشاعر الجندي، جعلته الروايات يشترك أيضا في الحرب في أرتيميسيوم
Artemisium
وفي بلاتيا
. وقد اهتم جماعة معينة من العلماء المحدثين، اهتماما بالغا، بإشارة هذا الشاعر إلى مواقع الشمال ومعارف طقوسه، فجعلوه يسهم في حملة كيمون التراقية (الذي أباد حصن إيون
Eion
المسيطر على مصب نهر سترومون
Strymon
في سنة 476-475ق.م.)، وربما في بعض الحملات الأخرى لاستعادة مواضع الاستيطان الواقعة على السواحل التراقية، تلك الحملات التي استمرت عدة سنوات.
يحتمل أن تكون زيارة أيسخولوس الأولى للملك هييرو
Página desconocida
Hiero ، فيما بين سنتي 476، 473ق.م. (وهذه هي السنة السابقة لإبادة الفرس). ولما كان هذا الملك القبرصي صديقا للأدباء وحكما بالغ الذوق، فقد سما ببلاطه إلى درجة رفيعة حتى إن الشعراء ذوي أرفع العبقريات في الوطن ، أمثال بندار وسيمونيديس وباكخوليديس، قد وجدوا من المريح لهم قبول كرم ولطافة حام لا يوجد خير منه في فن تقدير من اعتبروا ملوك فناني عصرهم في بلاد الإغريق. وربما كانت زيارة أيسخولوس الأولى للغرب ذات صلة باحتفال هييرو بإعادة بناء مدينة إتنا
Etna
سنة 476/475ق.م. ونرى في مسرحية «نساء إتنا
Women of Etna » أن الشاعر ترك المصادر العليا للميثولوجيا البانهيلينية
، ووجد ضمانا في طقوس الصقليين المحلية للتكهن بالرخاء الذي استقاه من مؤسسي تلك المدينة عند سفح الجبل الذي ثار في سنة 478/479ق.م. (أو تبعا لثوكوديديس
Thucydides
13
في سنة 476/475ق.م.) فأوحي إليه بالفقرة الشهيرة في بروميثيوس (سطر 347)، والوصف الأكثر روعة في قصيدة بندار لهييرو. وربما شاهد أيسخولوس بنفسه ثوران ذلك البركان، ولكن تصويره لهذا المشهد أقل حيوية من تصوير الشاعر الغنائي له. وإذا كان قد كتب تلك الفقرة بعد مضي مدة طويلة، فمن المعقول أنه دخل المسابقة عمدا مع بندار الذي ألف قصيدته في سنة 470ق.م. ومهما كان هذا الأمر، فما من أحد من زملائه يمكن أن يكون قد دخل المسابقة مع أيسخولوس عندما أجاد عرض مسرحية «الفرس» هناك، وهي مسرحية عن الحرب، توجت من قبل بالجائزة الأولى في أثينا. وقد ذهب أيسخولوس وقتذاك إلى قبرص، لا ليكسب الشهرة، بل ليتسلم جائزة الشهرة.
لا ينظر صغار الذكاء إلى العظماء إلا في ضوء صغرهم، فقد عزيت مغادرة أيسخولوس لبلاد الإغريق وذهابه إلى صقلية، نقول عزيت في العصور القديمة إلى أنه ذاق جذور المرارة بسبب تفضيل الشاعرين سيمونيديس وسوفوكليس عليه، أو لأنه لم يستطع احتمال روح ذلك العصر. وما قصة انسحاب أيسخولوس إلى صقلية بسبب غيظه من اندحاره على يدي سوفوكليس، إلا قصة تافهة وسخيفة. لا بد أن كان أيسخولوس، في نفس السنة التي انتصر فيها سوفوكليس (سنة 468ق.م.)، في أثينا يكتب مسرحيته «الأوديبوديا
Oedipodea »، استعدادا للعيد الدرامي في العام التالي. أما سبب سفره إلى صقلية في سنة 458ق.م. بعد عرض «الأوريستيا
Página desconocida
Orestea » فلا يزال غامضا. وقد قيل الشيء الكثير عن عدم رضا هذا الشاعر (المحافظ في ميوله السياسية كغيره من ذوي العقول الفنية الكبيرة) عن نمو نفوذ الحزب المناوئ لكيمون ... يبدو أن الزمن لم يكن ملائما لرجل أثيني من عصر أريستيديس، يتخذ في ذلك الوقت نظرة شفق الحياة. بعد ذلك أخذ جيل جديد طائش، يفتقر إلى روح الوقار التي كانت للجيل القديم، يشق طريقه إلى المقدمة. فهاجم إفيالتيس
Ephialtes
بالاشتراك مع بركليس حصن الأريستوقراطيين، وهم مجلس «الأريوباجوس». بدأت المعارضة بحركة ترمي إلى إبعاد بعض أعضاء تلك الهيئة بتهمة ابتزاز الأموال، انتهت بهجوم على صيانتها للقانون، والاحترام الشكلي الواجب للآلهة تاركة للمجلس، كوظيفته الهامة الوحيدة، اختصاصه في الفصل في قضايا القتل (سنة 462). فقدم بركليس وثيقة تنص على دفع أجور لهيئة المحلفين، وأعطى الأراخنة مبلغا معينا للنفقات اليومية. فارتفعت النزعة السياسية. فقتل إفيالتيس في سنة 461 أو سنة 460ق.م. أما التصويت بأغلبية الأصوات الذي أباد كلا من ميجاكليس
Megacles
وكسانثيبوس
Xanthippus
وأريستيديس وثيميستوكليس، فقد أبعد كيمون، في سنة 461، من مشهد النضال الحربي ... يتخذ هذا الشاعر في مسرحية «يومينيديس» موقفا بعيدا عن صخب الأطماع الحزبية، فيقوى مذهبه الخاص بالصلح. وإذ وافق بولاء على ذلك القانون الذي غير طبيعة الأريوباجوس، فإنه يوصي بإلحاح في تلك المسرحية بوقف الحزازات والأحقاد والأخذ بالثأر، ويذكر احتجاجه الجدي ضد أية تجديدات أخرى، مع الإشارة إلى الاقتراح (المقدم في نفس سنة «الأوريستيا») الخاص بقبول أعضاء من طبقة ذوي الأملاك في الفئة الثالثة في مناصب الأراخنة وفي الأريوباجوس. غير أنه إذا كان أيسخولوس أقل ابتعادا عن أحداث ذلك الوقت، من سوفوكليس أو جوتيه
Goethe ، فليس من العدل اتهامه بالافتقار إلى الغيرة الحزبية في وطنه ... سبق أن أوحت إليه سالاميس بالميول البانهيلينية. وكانت الوطنية القومية التي لا تقل عن الوطنية القروية مع الغيرة الدينية إيحاء عبقريته.
رغم عدم إمكاننا تفنيد احتمال عدم رضا هذا الشاعر عن مجرى الأحداث في وطنه، فإنه لم يكن بالرجل الذي يهجر وطنه غاضبا، كما هو الحال في المحدثين. ربما لم يكن لديه أي باعث أعمق من استعداده لإعادة عرض مجموعته الثلاثية الأخيرة.
مات أيسخولوس في جيلا
Página desconocida