Hallaj
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
Géneros
قال: فدخل بيتا حيالي وغلق بابه، وأبطأ ساعة طويلة، ثم جاءني وقد خاض وحلا إلى ركبتيه وماء، ومعه سمكة تضطرب كبيرة، فقلت له: ما هذا؟ فقال: دعوت الله فأمرني أن أقصد البطائح وأجيئك بهذه، فمضيت إلى البطائح، فخضت الأهواز، فهذا الطين منها حتى أخذت هذه!
فعلمت أنها حيلة، فقلت له: تدعني أدخل البيت فإن لم ينكشف لي حيلة فيه آمنت بك، فقال: شأنك، فدخلت البيت وغلقته على نفسي، فلم أجد فيه طريقة ولا حيلة، فندمت، وقلت: إن وجدت فيه حيلة فكشفتها، لم آمن أن يقتلني في الدار، وإن لم أجد طالبني بتصديقه، كيف أعمل؟
قال: وفكرت في البيت فرفعت تأزيرة - وكان مؤزرا بإزار ساج - فإذا بعض التأزير فارغا، فحركت جسرية منه خمنت عليها، فإذا هي قد انفلقت، فدخلت فيها فإذا هي باب ممر، فولجت فيها إلى دار كبيرة، فيها بستان عظيم، فيه صنوف الأشجار والثمار، والريحان والأنوار، التي هي وقتها، وما ليس هو وقته، مما قد غطي وعتق، واحتيل في بقائه، وإذا الخزائن مفتوحة فيها أنواع الأطعمة المفروغ منها، والحوائج لما يعمل في الحال إذا طلب، وإذا بركة كبيرة في الدار فخضتها، فإذا هي مملوءة سمكا كبارا وصغارا، فاصطدت واحدة كبيرة وخرجت، فإذا رجلي قد صارت بالوحل، والماء إلى حد ما رأيت رجله!
فقلت: الآن إن خرجت ورأى هذا معي قتلني، فقلت: احتال عليه في الخروج، فلما رجعت إلى البيت أقبلت أقول: آمنت وصدقت ، فقال لي: ما لك؟ قلت: ما ها هنا حيلة، وليس إلا التصديق بك، قال: فاخرج فخرجت، وقد بعد عن الباب ، وتموه عليه قولي، فحين خرجت أقبلت أعدو أطلب باب الدار، ورأى السمكة معي، فقصدني وعلم أني قد عرفت حيلته، فأقبل يعدو خلفي فلحقني، فضربت بالسمكة صدره ووجهه، وقلت له: أتعبتني حتى مضيت إلى البحر، فاستخرجت لك هذه منه!
قال: واشتغل بصدره وبعينه وما لحقهما من السمكة، وخرجت فلما صرت خارج الدار طرحت نفسي مستلقيا لما لحقني من الجزع والفزع، فخرج إلي وضاحكني، وقال: ادخل، هيهات والله لئن دخلت لا تتركني أخرج أبدا، فقال: اسمع، والله إن شئت قتلك على فراشك لأفعلن، ولئن سمعت بهذه الحكاية لأقتلنك، ولو كنت في تخوم الأرض، وما دام خبرها مستورا، فأنت آمن على نفسك، امض الآن حيث شئت، وتركني ودخل، فعلمت أنه يقدر على ذلك، بأن يدس أحد من يطيعه ويعتقد فيه ما يعتقده فيقتلني، فما حكيت الحكاية إلى أن قتل!»
وقصة ثالثة، يبدو فيها الراوية متهكما ماجنا ساخرا من كل القيم الإنسانية.
يقول صاحب «تاريخ بغداد»:
9 «أخبرنا علي بن أبي علي عن أبي الحسن أحمد بن يوسف الأزرق: أن الحسين بن منصور الحلاج لما قدم بغداد يدعو، استغوى كثيرا من الناس والرؤساء، وكان طمعه في الرافضة أقوى لدخوله من طريقهم.
فراسل أبا سهل بن نوبخت يستغويه، وكان أبو سهل من بينهم مثقفا فهما فطنا، فقال أبو سهل لرسوله: هذه المعجزات التي يظهرها قد تأتي فيها الحيل، ولكن أنا رجل غزل، ولا لذة لي أكبر من النساء وخلوتي بهن، وأنا مبتلى بالصلع، حتى إني أطول قحفي وآخذ به إلى جبيني، وأشده بالعمامة، وأحتال فيه بحيل، ومبتلى بالخضاب لستر المشيب، فإن جعل لي شعرا ورد لحيتي سوداء بلا خضاب، آمنت بما يدعوني إليه كائنا ما كان! إن شاء قلت: إنه باب الإمام! وإن شاء الإمام! وإن شاء قلت: إنه النبي، وإن شاء قلت: إنه الله!
قال: فلما سمع الحلاج جوابه آيس منه، وكف عنه، قال أبو الحسن: وكان الحلاج يدعو كل قوم إلى شيء من هذه الأشياء التي ذكرها أبو سهل!»
Página desconocida