Hallaj
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
Géneros
كما أدرك الهدف من هذا الحشد من الاتهامات الدينية، التي تصوره دجالا مشعوذا تارة، وملحدا مارقا تارة أخرى، إنها تستهدف أول ما تستهدف أن تزلزل في قلوب الجماهير تلك القدسية الدينية التي تنطوي عليها قلوبهم للحلاج، وأن تظهر الخلافة وأنصارها بمظهر الدفاع عن العقيدة الإسلامية وحمايتها.
وبين تهاويل هذه الاتهامات وضجيجها تختنق وتختفي صيحات الحلاج في الإصلاح السياسي والاجتماعي، وتذوب وتتوارى حملاته على الفساد والمفسدين، والمنحلين والمحتكرين.
فإذا انطفأ ذلك البريق الساحر، الذي يترقرق حول الحلاج، وتمزقت تلك الهالة المضيئة التي تحيط بكلماته وحياته، وتقطعت الخيوط الروحية التي تربطه بوجدان الشعب وضميره، وحيل بين البطل وردائه، والولي وشعاعه؛ حينئذ تستطيع الخلافة أن تضرب ضربتها الانتقامية الكبرى، وأن تخضب وجه الأرض، بدم مهدر ضائع، لا يثور من أجله محب، ولا يغضب له منتفم!
أدرك الحلاج هذا كله وقدره، بل وصوره لنا في مشاهد حية، تكاد لصدقها تكون نبوءة مبصرة.
لم يجزع الحلاج ولم يضطرب، لقد أدرك بذوقه وبوجدانه - منذ أمد بعيد - أنه في طريقه إلى الاستشهاد، ولكنه اعتزم أن يمضي قدما في منهجه ورسالته، وأن يقول كلماته الأخيرة للخليفة نفسه.
وطلب الحلاج مقابلة الخليفة، والخليفة دائما كان يخاف الحلاج ويرهبه، وكان يحرص الحرص كله على أن يبدو أمام الجماهير بريئا من عذابه ودمه.
وأذن الخليفة بمقابلة الحلاج، كما أذن أيضا للوزير حامد بأن يشهد هذه المقابلة، بناء على طلبه وإلحاحه.
وحمل الحلاج مقيدا إلى الخليفة، فدخل مرفوع الرأس، مشرق الوجه، وألقى بتحية الإسلام، ثم أخذ يحذر الخليفة وينذره، ويطالبه بإصلاح الأداة الحكومية؛ حتى يرضى الله عنه، وبإبعاد المفسدين في الأرض، وبتطبيق الشريعة روحا ونصا؛ حتى تتحقق رسالة القرآن.
ثم انتقل الحلاج بالحديث إلى قضيته، وموقف الخليفة منها ، فحذره الغرور بالخلافة، والاعتزاز بالملك؛ لأن من اعتز بغير الله ذل، أفهمه أنه آلة يحركها القدر الإلهي ... ثم قال :
28 «من أطاع الله أطاعه كل شيء، ثم حاكم ومحكوم عليه، وواسطة هي السبب في إيصال الحكم بالمحكوم عليه، فإن كان ثم جور أو عدل نسب إلى الواسطة في الظاهر، والرب يتحاشى عن أن يوصف بذلك.
Página desconocida