Así habló Zaratustra: Un libro para todos y para nadie
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Géneros
ليس نيتشه إذن مبدع فكرة التكامل للإنسان على الأرض؛ فإن التكامل مبدأ جعلته الأديان السماوية أساسا لكل وصية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، غير أن الدين قد أراد للإنسان تكاملا روحيا يهيئه إلى إدراك بارئه وراء المحسوس في حين أن نيتشه، وقد أنكر ما لا تقع الحواس عليه، أراد أن يفلت الإنسان من حدود إنسانيته على هذه الأرض فيجعلها جنة خلد يستوي عليها بجبروته إلها ...
وقد غرب عن هذا الفيلسوف أن المخلوقات كلها في سلسلة الوجود لا تملك الانعتاق من حدود أنواعها، ومهما كرت القرون وتعاقبت الأجيال لا يمكن للجماد أن يفلت من مملكته إلى مملكة النبات، ولا للنبات أن يجتاز حدود مملكة الحيوان، ولا للحيوان أن يجتاح مملكة الإنسانية.
لذلك كان الذاهب في طلب إنسان يتفوق على الإنسانية كالمحاول استنبات الشجرة حيوانا أو استبدال الحيوان إنسانا.
لقد كرت القرون على مبدأ التاريخ الذي نعلم وعلى ما لا نعلم من حقب كرت ما وراءه، والإنسان لم يزل هذا المخلوق الدائر أبدا ضمن حلقة إنسانيته.
لقد كان نيتشه من المعتقدين باستحالة الأنواع حين صرخ بلسان زرادشت وهو يخاطب الحشد في الساحة العمومية: «لقد كنتم من جنس القرود فيما مضى على أن الإنسان لم يفتأ حتى اليوم أعرق من القرود في قرديته.»
ولكنه بالرغم من هذا يصرح بأن هذا النوع القردي، وهو الإنسان لم ينسلخ عن أصله فكيف زين له خياله أن في هذا النوع إنسانا فائقا لا يزال كامنا منذ البدء ينتظر قدوم فيلسوف في أواخر القرن التاسع عشر يستجلي هذا الجبار ويبعثه بإرادة جديدة تتسلط لا على الحاضر والمستقبل فحسب بل على ما مر وتوارى أيضا في عاصفات الأحقاب؟ ... •••
إن بدعة الإنسان المتفوق إنما هي في تقديرنا تشوق نفس شعرت بأنها كانت وستكون، وقد ضرب الإلحاد حولها نطاقا فتوهمت أنها ستبلغ في هذه الحياة ما ليس من هذه الحياة.
إن نيتشه يعلن إلحاده بكل صراحة، ويباهي بكفره غير أننا لا نكتم القارئ الكريم أن ما قرأناه بين سطوره، وقد مررنا بها كمن عليه أن يتفهم كل معنى ويستجلي كل رمز، يحفز بنا إلى القول بأننا لم نر كفرا أقرب إلى الإيمان من كفر هذا المفكر الجبار الثائر الذي ينادي بموت الله، ثم يراه متجليا أمامه في كل نفس تخفق بين جوانح الناس من نسمته الخالدة، فإن هذا الملحد بالرغم من اعتقاده بأن الجسد هو أصل الذات وأن الروح عرض لها وبأن كلا الروح والجسد فانيتان، لا يملك نفسه من الهتاف وهو يؤكد عودة كل شيء واستمرار كل شيء فيقول: أواه كيف لا أحن إلى الأبدية وأضطرم شوقا إلى خاتم الزواج، إلى دائرة الدوائر حيث يصبح الانتهاء ابتداء. إنني لم أجد حتى اليوم امرأة أريدها أما لأبنائي إلا المرأة التي أحبها؛ لأنني أحبك أيتها الأبدية.
إنني أحبك أيتها الأبدية.
أين هذه الهتفة الرائعة تصدو في أعماق روح تتطير من الزوال من ابتسامة الملحد الصفراء، وهو لا يرى وراءه وأمامه إلا العدم والزوال بل يكاد يرى وجوده خدعة وخيالا كاذبا.
Página desconocida