Así Fui Creado: Una Larga Historia
هكذا خلقت: قصة طويلة
Géneros
وقام الشاب وفي نظراته معنى الدهشة وقال: إلى غد إذن يا أماه، وأرجو لك راحة الجسم وطمأنينة النفس.
ولم ألبث حين خرج أن رأيت الدنيا تدور من حولي، وكأنني على زورق في بحر لجي لا شاطئ له، أفأستطيع أن أفاتح زوجي في شيء مما قاله ولدي ليرى كل ما أسداه لأخته وله ينقلب جحودا وعقوقا؟ وهل أستطيع أن أنكر على ولدي حقه في التسمي - إن شاء - باسم أبيه؟ وأي داع دعا هذه السيدة، وهي من أكثر أصدقائنا إخلاصا لنا، أن تثير هذا الأمر، وأن تقفني هذا الموقف؟ لست أعرف بيني وبينها حقدا ولا غيرة، فما كان أجدرها أن تخاطبني في الأمر قبل أن تفضي بما قالت إلى ولدي! وكيف تراني أنقض اليوم ما أبرمته أمس فيظن زوجي أنني خدعته لغاية في نفسي؟!
فلما دخل زوجي إلى غرفة الاستقبال رأى صورة مكبرة لزوجي الأول.
وتوارد طوفان من هذه الخواطر على ذهني فشعرت بقلبي يخفق وأعصابي تزداد اضطرابا، ثم أحسست برعشة كأنها الحمى، ولقد حمدت الله أن كان زوجي مدعوا للغداء ذلك اليوم، ثم كانت عنده مشاغل تمسكه عن الحضور إلى البيت حتى المساء، وقلت في نفسي: لعلي أكون قد تدبرت الأمر ووجدت حلا قبل موعد حضوره.
وأقبل المساء فإذا الحمى تلازمني وتمسكني في سرير نومي، فلما جاء زوجي ورأى حالي أراد أن يدعو الطبيب فقلت له: دعني الليلة فإني أحسبها رعشة طارئة، فإذا أصبحنا ولم تنصرف عني كان لدعوة الطبيب موضع، ورجوته أن يقضي ليله في غرفة أخرى، ولست أدري بعد أن بقيت وحدي ما الذي أصابني، أفنمت فعبث بي كابوس أزعجني، أم أنه هذيان الحمى الذي استبد بي؟ فقد تبدى أمامي طيف مطلقي وهو ملتف في أكفانه، وأخذ يحملق في، وسمعته وكأنه يهتف بي: هأنذا سترينني الليلة وسترينني من بعد، سترينني بينك وبين زوجك في يقظتك وفي نومك، سترينني بينك وبينه في ثيابي وعاريا كيوم ولدتني أمي، سترينني بينك وبينه حتى في سرير نومك، وسترينني حتى يعود ولداي إلى التسمي باسمي، فإن عادا تواريت لا عن رضا، ولكن لأدع زوجك يتم قضاء الله فيكما، والله أعدل الحاكمين.
واستيقظت جوف الليل مذعورة أصيح من هول ما رأيت، وأسرع إلي زوجي من المخدع الذي كان فيه يسألني ما بي؟ قلت والحمى تهزني: «إنه كابوس أزعجني فلا تتركني.» وقضى الرجل بقية ليله على كنبة في الغرفة، وبقيت مؤرقة حتى إذا نادى مؤذن الفجر غفوت فرأيت في غفوتي كأن والدي يقول لي: «فيم تنزعجين يا ابنتي؟ دعي الأمر لولديك يقضيان فيه برأيهما، لا تحملي أنت تبعته، قولي ذلك لولدك إذا جاء اليوم إليك يريد مشورتك، ونبهيه إلى أن الأمر أخطر بالنسبة له ولك من أن يقضي فيه بخفة ومن غير روية.»
نمت بعد ذلك وطاب نومي، ولم أستيقظ إلا قرابة الظهيرة، واستيقظت وقد نزلت عني الحمى وإن بقيت منهوكة الجسم، محطمة الأعصاب، وكان زوجي قد خرج لعمله فأتاح لي فرصة أتدبر فيها الأمر من جديد، ولم أجد خيرا من المشورة التي أسداها إلي طيف أبي، لكني آثرت ألا أبت في الأمر قبل التحدث فيه مع زوجي. وجاء ولدي ورآني ملازمة فراشي، فأبت عليه بنوته أن يعيد الكلام علي ويسألني رأيي حتى أستعيد نشاطي، فلما جاء زوجي ودخل إلي يسأل عن صحتي استبقيته عندي، وذكرت له حديث ولدي، وأن هذا الحديث هو الذي أركبني الحمى وأزعجني، فسكت طويلا ثم قال: «هل نستطيع أن نمنعه أو نمنع أخته وقد بلغا رشدهما ولم يبق لي ولا لك عليهما سلطان؟ ليفعلا ما يشاءان فذلك حقهما، ثم يكون لنا بعد ذلك في الأمر رأي.»
وجاء ولدي الغداة فألفاني على مقعدي الطويل، فجلس عند قدمي وسألني عن صحتي، وحمدت له الله على أن أعاد إلي العافية، ثم قلت له: «إنك شاب عاقل تحسن وزن الأمور، فلك أن تتصرف كما تشاء فيما حدثتني عنه أول من أمس، ولا اعتراض لي على ما تفعل، وكل الذي أريد أن تعلمه أنني يوم بدلت اسميكما إنما أردت خيركما ومصلحتكما، عز علي أن تشعرا كلما دخلتما هذا البيت أو خرجتما منه أنكما غريبان عنه، وأن يشعر زوجي كذلك مثل هذا الشعور، فأردت أن أخلق فيه جو الأسرة بمعناه الكامل، وقد أقرني زوجي على ما أردت وأعانني فيه، ثم ذهب إلى أبعد من المعونة، فأراد أن يوصي لكما بثلث ماله، بل بكل ماله، وعارضت يومئذ إرادته حتى لا يظن أني قصدت إلى منفعة مادية مما صنعت، ولا أراه إذا نفذت أنت عزمك وبدلت اسمك واسم أختك ألا يصر على تحرير وصيته تلك، فهو رجل طيب القلب، عاملكما منذ دخلتما بيته معاملة الأب لأبنائه، بل اعتبركما ابنيه بالفعل وبذل لكما كل عطفه وحنانه، أما وقد بلغتما رشدكما وأصبح من حقكما أن تختارا البقاء على ما اخترت لكما أو تعدلا عنه لما كنتما عليه، فلكما من ذلك ما تشاءان، وأنت قبل أختك خير من يقدر ما يترتب على تصرفه من آثار ونتائج.»
قال ولدي في غير تردد: «أشكرك يا أماه من كل قلبي، ولا تثريب لي عليك فيما فعلته إبان صغري، سواء فعلته غضبا من أبي أو التماسا لخيري ومصلحتي، فإن كانت الأولى فلا أحسب الموجدة باقية في قلبك بعد كل هذه السنين على رجل يذكر عارفوه جميعا مروءته، ويذكرون أنه أكرمك طول حياته بعد غضبك منه وانفصالك عنه، وإن كانت الثانية فما كنت لأبيع اسم أبي بثمن وإن عظم، فاسمه هو الدم الذي يجري في عروقي، والحياة التي ينبض بها قلبي، والنعمة التي يشع بها نور عيني، ولن ينسيني هذا الدم وهذه الحياة وهذه النعمة ما لزوجك الذي ندعوه اليوم أبانا من فضل علينا وبر وحنان ذقنا كل هذه السنين حلاوته، فلسنا يا أماه عاقين، ونحن ابناك وابنا أبينا، وإذا كنتما قد انفصلتما في الحياة لأمر، فذلك طارئ يحدث ثم ينسى، أما الاسم الذي حملناه يوم مولدنا فهو الذي يجب أن يبقى علما على محبتكما وبركما، فالحياة محبة، وما سوى المحبة هباء يذهب مع الريح ولا تبقى منه باقية.
تأثرت بهذا الذي سمعت من ولدي أبلغ التأثر فقبلته من أعماق قلبي، وقلت له: «رعاك الله يا بني، وهداك السداد والحكمة، ألا ترى أن تفضي لأبيك زوجي بهذا الذي ذكرت الساعة عنه؟» وأجاب: «بكل سرور يا أماه، لولا أن أخشى تأويل ذلك بأنني أطمع في وصيته، فأستأذنك في اتخاذ الإجراءات لأستعيد اسم أبي لي ولأختي، فإذا تم ذلك واستقر أمره جئت معها فأدينا لأبينا واجب الشكر وعرفان الجميل.»
Página desconocida