Así Fui Creado: Una Larga Historia
هكذا خلقت: قصة طويلة
Géneros
ولم يكن يشغلني أيام مرضي غير نكسة صديقنا وحال صحته! وقد سألت زوجي غير مرة عن حاله، فأنبأني أنه تخطى الخطر وإن كان في حاجة إلى زمن طويل ليسترد عافيته، فلما برئت واستطعت أن أخرج من منزلي سألت زوجي أن أصحبه يوما في عيادة هذا الصديق العزيز!
وإذ رأيته وتبينت حاله رق قلبي رقة لم يكن يسيرا معها أن أغالب دمعي، ثم زادت بقلبي رقته، فأمسكت بيده وزوجي واقف بجانبي، وقلت: «أستحلفك بأعز عزيز عليك أن تسامحني، أنا أعلم أن ذنبي لا يسعه الغفران، ولكني أعلم كذلك أن وفاءك لصداقتنا يسمو بك إلى ما فوق المغفرة، يسمو بك إلى الرحمة، وإلى الإشفاق على بائسة مسكينة.»
فنظر إلي الرجل وهو ممدد على كرسيه الطويل بعينين يشيع فيهما عطف يكاد يكون الحنان، وقال: «لقد سامحتك منذ زمان طويل، وليسامحك الله، وليسامحنا جميعا.»
لم أشعر في حياتي بتضاؤل كبريائي مثل ما شعرت في هذا اليوم، لقد شعرت بنفسي - أنا المتعالية المعتزة بنفسي - صغيرة ضئيلة تافهة محتاجة إلى كلمة عطف تسند ضعفي، وتسكب ماء البر الطهور على ذنوبي، وهأنذي قد سمعتها، لكني بقيت مع ذلك صغيرة ضئيلة تافهة.
وانقضت الأيام والأسابيع وعوفي صديقنا، وعاد يتردد علينا، لكني بقيت برغم ذلك محطمة الأعصاب، فلا بد لي من جو جديد تتغير فيه نفسيتي، فلما أقبل الصيف قال لي زوجي: «ما أحسبك احتجت يوما إلى السفر إلى أوروبا حاجتك هذا العام، فأعدي عدتك، وقد لا أستطيع السفر معكم، ولذلك أعددت جواز سفر لك وللطفلين، وأرجو أن يفيدكم تغيير الجو الفائدة التي أرجوها، وشكرته، وأخذت أفكر في السفر وفي إعداد عدته.»
الفصل السادس
لم أنظر إلى اصطيافنا بأوروبا هذا العام مطمئنة النفس قريرة العين، أنا حقا في أشد الحاجة إليه، فهذا الجو الذي يحيط بي خانق، ولم يبق لي طاقة باحتماله، وأعصابي مرهقة يثيرها مس الهواء، لكن الهواجس كانت تفزعني، وتبلبل خاطري، وتزيد نفسي قلقا، وأعصابي اضطرابا، فما بال زوجي لا يريد أن يصحبنا إلى أوروبا؟ أي شيء يمسكه بالقاهرة ليصلى صيفها القائظ؟
وهنا ارتسمت أمامي صورة صديقتي وهي تنظر بعينيها الجميلتين الساحرتين إلى هذا الطبيب الذي وهبها كل عناية لإنقاذ ميراثها وميراث أطفالها، أولا تكون هذه المرأة هي السبب في تخلفه عن مصاحبتنا وبقائه بالقاهرة؟ أنا أعلم أنها تصطاف بالإسكندرية، لكن الذهاب من القاهرة إلى الإسكندرية آخر كل أسبوع لقضاء يومين أو ثلاثة على مقربة منها والتقاءهما كلما شاءا؛ أمر يسير!
وإذا أنا كنت قد فعلت ما فعلت لأمنع زواجها من صديقنا، أفأسافر إلى أوروبا وأدعها تغصب مني والد أطفالي، على حين أنتقل أنا بهما بين بلاد المياه، وفي أعالي الجبال الأوروبية الجميلة؟!
ودار بخاطري أن أعتذر عن عدم السفر، وأن أكتفي بالذهاب إلى الإسكندرية أقضي الصيف بها. وإني لأفكر كيف أصور الأمر لزوجي إذ مر بي صديقنا، وأخذ يسألني عن موعد السفر وبرنامجه، قلت بعد حوار طويل: وما اهتمامك أنت وزوجي بهذا الأمر؟ كأنما تريدان إبعادي عن مصر لأمر تدبرانه؟
Página desconocida