وكل قتيل عندهن شهيد
فجعلت حديثنا بشاشة وقتلانا شهداء، خذ هذه الألف دينار والحق بأهلك.» فأخذها وانصرف.
وكان حسن ينظر ويسمع ولا يستغرب مثل ذلك المجلس؛ لأن اهتمام النساء بالشعر والأدب وجلوسهن لمثل تلك المطارحة كان شائعا في تلك الأيام، ونبغ من النساء شاعرات ماهرات منهن ليلى الأخيلية وغيرها. ولكنه استغرب اهتمام سكينة على رفعة مقامها بمباحثة الشعراء فيما قالوه ونظموه، وكان يسمع ويرى وهو قلق البال لتأخر ليلى عنه، ولم يكن يدري كيف يدعوها أو يستعجلها فرأى أن يسمعها صوته، وكان قد لاحظ وجود صور للطير والأشجار على الستار الحاجز بين مجلسي الرجال والنساء، كما لاحظ وجود أمثالها على الوسائد، فرأى أن يتخذ من ذلك موضوعا لإسماع ليلى صوته. وما كادت الجارية تفرغ من مخاطبة الشعراء وتهم بالدخول بعد أن انصرفوا، حتى استوقفها وقال: «تمهلي يا بنية.»
فوقفت والتفتت إليه، فقال لها: «لقد باحثت هؤلاء الشعراء وأفحمتهم فانصرفوا، فهل أسألك سؤالا؟»
قالت: «قل ما تشاء.»
قال: «أرى على ستاركم صورا وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» ...؟»
فأشارت الجارية إليه أن يتمهل ودخلت إلى سيدتها، ثم عادت إليه وقالت له: «وما يضرنا وما نحن من المصورين؟»
قال: «ولكنكم اتخذتم تلك الصور أستارا، ولو كانت تلك صور أشجار فقط لهان أمرها، ولكنها صور لذوات أرواح، وفي الحديث: «إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصورة» ...»
وهنا سمع صوتا جهوريا من وراء الستار يقول: «لا تنس تتمة الحديث: «إلا رقما في ثوب».» فأدرك أن ليلى هي المتكلمة، وسكت بينما عادت الجارية إلى مجلس النساء ولبث هو على مثل الجمر لا يدري ماذا يصنع، والتفت نحو نافذة عالية فرأى الشمس قد مالت إلى الغروب، فازداد قلقه، وخشي أن يطول انتظار صاحبه سليمان بباب المدينة. •••
Página desconocida