قال: «اسمها سمية بنت عرفجة الثقفي.»
فبهتت عزة عند سماعها الاسم، وجعلت تتفرس في وجهه كأنها تستطلع حقيقته، ثم قالت: «من أين عرفتها؟ وكيف أحببتها وأنت بعيد عن المدينة؟!»
قال: «قولي لي أولا أهي في المدينة؟ وهل تعرفينها جيدا؟»
قالت: «أعرفها كما أعرف نفسي، وهي مقيمة هنا وكانت عندي هذا المساء، فقل لي أين وكيف عرفتها؟»
قال: «كنت من رجال مصعب بن الزبير الذين ساروا معه إلى العراق لقتال المختار بن عبيد الثقفي. وكان المختار بعد قتل الحسين قد قام يدعو الناس إلى الأخذ بثأره، وتظاهر بمبايعة عبد الله بن الزبير اللائذ بالحرم الآن. فقتل المختار قتلة الحسين جميعهم بمعونة التوابين، وهم أهل الكوفة الذين خانوا الحسين وأمسكوا عن نصرته فلما قتل ندموا وقاموا يطالبون بدمه.»
قالت: «نعم أذكر ذلك، ولكن المختار هذا كان يدعو الناس إلى بيعة محمد بن الحنفية أخي الحسين من أبيه، وليس لعبد الله بن الزبير.»
قال: «إنه كان يدعو إلى البيعة لعبد الله أول الأمر، فلما فاز في حروبه طمع في الخلافة لنفسه وتظاهر بالدعوة لمحمد بن الحنفية. ولا أشك في أن محمدا لم يكلفه بذلك؛ لأنه زعم أشياء لا يرضى بها محمد.»
قالت: «أظنك تعني الكرسي الذي زعم أنه كرسي علي، وصار يحمله معه في حربه ويزعم أن جبريل يظهر له ويكلمه.»
قال: «نعم، ولكنه لم يفلح؛ لأن عبد الله بن الزبير لما سمع بما فعله أرسل أخاه مصعبا في جند كبير فقتلوه وسمروا يده في مسجد الكوفة، وكنت أنا في جملة رجال مصعب. ففي يوم المعركة بعد أن تم لنا النصر وأمعنا في رجال المختار قتلا ونهبا، لقيت عرفجة أبا سمية طريحا على الأرض بين يدي بعض رجالنا وقد هموا بقتله، ثم رأيت سمية ابنته قد خرجت من الخباء وشعرها محلول على كتفيها، فتحرك قلبي نحوها تحركا غريبا، وسمعتها تستنجدني لإنقاذ أبيها من القتل، فصحت في الرجال فأبعدتهم عنه وأوصلته إلى مأمنه، فقبل يدي وشكرني ذاكرا أنه لا يقدر على مكافأتي. فقلت له: «لا ألتمس منك إلا أن تزوجني ابنتك هذه.» فقال: «هي جاريتك بين يديك.» فتواعدنا على أن آتي المدينة وأتزوجها. وأتممت أمر إنقاذه فأخرجتهما من الكوفة وبعثت معهما من أوصلهما إلى هنا، وبقيت أنا هناك وشغلت بأمور كثيرة لا محل لذكرها، فلم أستطع المجيء إلا اليوم.» •••
كان حسن يتكلم وعزة تتطاول بعنقها لسماع بقية الحديث. فلما وصل إلى هذا الحد قطعت كلامه قائلة: «لعلك حسن؟»
Página desconocida