فلم تشأ عزة أن تلح عليها، ولكنها عمدت إلى الحيلة فقالت: «صدقت إن الذكرى تؤلم.» ثم التفتت إلى طويس وقالت: «هات الدف.»
فناولها طويس دفا فنقرت عليه وغنت:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت
فقد رابني منها الغداة سفورها
علي دماء البدن إن كان بعلها
يرى لي ذنبا غير أني أزورها
ولم تتم هذين البيتين حتى تململت ليلى وامتقع لونها وقالت: «ما هذا يا عزة؟ أراك تلحين لتعلمي سبب فراقي توبة.»
فضحكت عزة وتجاهلت وهي تقول: «وما لهذا الشعر ولك؟ هل توبة قاله فيك؟»
قالت: «أتتجاهلين؟ ما دمت مصرة على سماع حديثي مع توبة فسأقصه عليك وإن كان ذلك يؤلمني: اعلمي يا أخية أن عاداتنا نحن معاشر البدو غير عادات الحضر أهل المدن أمثالكم؛ فإن الرجل منكم إذا أحب فتاة تزوجها، وأحسن الزواج ما يكون على حب، وأما نحن فإذا عرف أهل الفتاة أن شابا يحبها وتحبه منعوه منها، وهذا ما وقع لي مع توبة؛ فإنه كان يحبني ويقول في الشعر، فلما خطبني إلى أبي رفض أن يزوجني به، وزوجني برجل من بني الأدلع هو زوجي إلى الآن، ولم يكتفوا بذلك ولكنهم أهدروا دم توبة ومكثوا له في الموضع الذي يلقاني فيه حتى إذا جاءني هموا بقتله. وكنت إذا جاءني قبل ذلك تبرقعت واحتجبت منه على عادتنا. ففكرت في حيلة أحذره بها غدرهم بحيث لا يشعرون، فلم أر خيرا من أن أغير عادتي معه، فلما جاءني في ذلك اليوم خرجت إليه سافرة وجلست في طريقه. فلما رآني على تلك الحال فطن لما أردت وركض فرسه فنجا، ثم نظم في ذلك قصيدته التي مطلعها:
نأتك بليلى دارها لا تزورها
Página desconocida