فقال: «لا أبغي الفرار وإنما أبغي الخروج الليلة لمقابلة ابن الزبير ثم أعود في الصباح إلى محبسي.»
فأعجب عبد الله بعزة نفسه وقال له: «افعل ما بدا لك فإني رهن إشارتك.»
وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب فقال عبد الله: «تمهل قليلا حتى يجيء الليل فأعطيك ثوبي فتلبسه وتخرج به وألبس أنا ثوبك وأحل محلك هنا ريثما تعود، وسوف لا يشك من يراك أنك من حراس الحجاج. فتظاهر بأنك ذاهب في مهمة إلى ابن الزبير، وإذا رأيت أن تبقى هناك على أن ألحق بك، فافعل.»
فأعجب حسن بمروءة عبد الله وتضحيته في سبيل نجاته، فقال: «بورك فيك من صديق صادق، أخاف أن أصاب بسوء فلا أعود فتقع أنت تحت طائلة العقاب.»
قال: «إذا أصابك سوء، فلن يبقى لي مأرب في الحياة. على أن القوم يعتزمون الهجوم غدا على ابن الزبير، فما أظنهم ينتبهون لخروجك، ولن أجد مشقة في إطلاق نفسي من السجن.»
فقطع حسن كلامه وقال: «أما رجوعي فلا بد منه؛ لأني لا أستطيع أن أترك سمية.» قال ذلك وصمت بغتة كأن فكرا جديدا طرق ذهنه ثم قال: «لا بد لي من الانتقام من أبيها الخائن.» ثم التفت إلى بلال وقال له: «أتذكر ما رأيناه خلسة من خيمة صاحبك سعيد في فسطاط محمد بن الحنفية؟»
قال: «أتعني حكاية عرفجة والكرسي؟»
قال: «إياها أعني، فهل تستطيع الحصول على كتاب من محمد بن الحنفية إلى الحجاج يشهد فيه بأن عرفجة جاء بذلك الكرسي وعرض عليه أن يدعو إلى بيعته أهل العراق ليخلعوا بيعة عبد الملك بن مروان؟»
قال بلال: «ذلك شيء يسير، فإني صديق قديم لسعيد، ولهذا دالة عليه.»
فقال حسن: «إذن اذهب الآن إلى شعب علي، واسلك أقرب الطرق إليه، فإذا حصلت على الكتاب فعجل بالعودة به إلى هنا، حيث أكون قد عدت بعد مقابلة ابن الزبير.»
Página desconocida