فاستحسن حسن رأيها وقال: «إذن هلم بنا الآن، فإني لا أصبر على هذه الحال.»
قالت: «اسبقني إلى المسجد ريثما أودع ذات النطاقين وألحق بك.»
قال: «لقد أنساني حديث سمية استطلاع ما دار بينك وبين ابن الزبير في أمر الصلح أو الاستسلام.»
قالت: «كنت على يقين من أنه لن يقبل، وقد رأيت أمه أسماء ذات النطاقين أكثر منه تشددا، وإني لأعجب لهذه العجوز وصبرها على المكاره فقد رأيتها مع يأسها من نجاح ابنها تشجعه وتحرضه على الثبات في دعوته. على أني وقد رأيت معسكره ومعسكر الحجاج، لا أشك في أن ابن الزبير مغلوب، فالفرق كبير بين المعسكرين في العدد والعدة وكل شيء.»
فابتدرها حسن قائلا: «لقد رأيت بعيني أصحاب ابن الزبير وإخوته وأهله يتخلون عنه، وقد نفدت قواته وأقواته، فالأمر خارج من يديه لا محالة.»
قالت: «القوة هي الغالبة يا حسن، والخلافة صائرة إلى بني أمية؛ لأن عندهم الرجال والأموال، وقد ساعدتهم الأقدار من كل ناحية.»
فقطع حسن كلامها وقال: «ليس يهمني الآن إلا أمر سمية، وسأسبقك إلى المسجد فأتهيأ للسفر.» قال ذلك وتركها وأسرع إلى المسجد، فوجد بلالا جالسا بباب حانوت لرجل فارسي يبيع الأقمشة بجوار الصفا. فلما رآه بلال نهض وتبعه حتى دخلا المسجد، فقص حسن عليه عزمه على الذهاب إلى معسكر الحجاج وأسر إليه الغرض من ذلك.
فقال بلالا: «ألا أستطيع أن أكون في خدمتك يا مولاي؟»
قال: «بورك فيك. ولكنني ذاهب في مهمة لا تخلو من الخطر، وإذا انكشف أمري فيها فلن ينفعني الرجل والرجلان، على أني أرجو التوفيق. فابق أنت هنا بضعة أيام، فإذا لم أعد فاطلبني في معسكر هذا الطاغية.»
تنكر حسن في ثياب غير ثيابه، وحمل جرابا فيه أدراج من الرق كتب فيها بعض القصائد. ثم مكث ينتظر ليلى حتى عادت وقد تلثمت وركبت جملا يقوده خادم، فركب حسن جمله، وسارا والخادم يمشي وراءهما حتى مروا ببيت ابن صفوان وكان واقفا بالباب فرأى ليلى وعرفها، وتفرس في حسن فعرفه كذلك رغم تنكره. فحياهما وقال: «إلى أين؟» فقال حسن: «لقد عزمت على أن أبدأ السعي في سبيل التوفيق.»
Página desconocida