فقلت: «ألا تعرف أني أحبك؟!»
وأغمض عينيه، وشدد من غلق أجفانه وكأنما يقول: «نعم، نعم.»
قلت: «وحبي لك لا يقدر؟!»
وفتح عينيه وفيهما لمعة حزن.
فقلت: «وأنت أحب إنسان إلينا جميعا؟!»
فعاد يغلق عينيه في ألم.
فقلت صارخا: «إذن، لماذا تفعلها وتموت؟!»
وفتح عينيه في دهشة، وحدجني بنظرته القاسية الثابتة، تلك النظرة التي كان يطالعني بها كلما ارتكبت خطأ عظيما، وكنت أخاف من نظرته تلك وأنا صغير، وأخافتني لحظتها كما لم أخف في حياتي، وخفضت صوتي حتى استحال إلى همس، وقلت: «وحياة النبي الذي كنت تحبه، لماذا مت؟! لماذا تركتنا؟!»
وكان أبي أسمر ، وله تجاعيد، تجاعيد كبيرة طيبة، وكنا نحبها، وطالما لثمناها، ولم يتغير منظره في أعيننا طوال السنين، كنا نكبر، ونتفرق، ونعود لنجده أسمر ذا تجاعيد كبيرة طيبة.
وأردت أن أقبله في تلك اللحظة، فقد أحسست فجأة أنني مشتاق إليه، وحياتي قضيتها مشتاقا إليه، وكلما عدت من غيبتي ورأيته أقسم لنفسي أني لا بد سآخذ إجازة لأقضيها معه فقط، ولأشبع منه، فقد كنت أخاف أن يموت قبل أن أشبع منه، أردت أن أقبله، واندفعت ناحيته لأفعل، ولكنه رفع يده من فوق ركبته كمن لا يود أن يقاطع وهو يصلي، وتوقفت وقلت: «كيف تموت قبل أن أشبع منك؟!»
Página desconocida