هذا مما في الأسماء من اضطراب الإعراب.
وفي الأفعال من ذلك مثلا: (أ)
الأفعال الخمسة، أو الأمثلة الخمسة التي يجم الصغار أمام عدها، وتثبت فيها النون في الرفع، حين تحذف مع النصب والجزم، وقد ورد حذف هذه النون أيضا عند الرفع في النثر، وقرئ بها القرآن، فقرءوا: «قالوا ساحران يظاهرا» أي يتظاهرا بدون نون، وفي الصحيح: «والذي نفس محمد بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.» والأصل: لا تدخلون، ولا تؤمنون.
36
وقول عمر رضي الله عنه: «يا رسول الله، كيف يسمعوا؟! وأنى يجيبوا؟!» دون نون، وإذا لم تحتجوا بالحديث مع المحتجين فبحسبكم القرآن وقراءته، وقد سمعنا قاعدتهم في الاحتجاج بالقراءة دون خلاف بينهم في ذلك، وقد ورد هذا الوجه في الشعر مثل قول القائل: «أبيت أسري، وتبيتي تدلكي»، بدل «تبيتين، وتدلكين»، وبهذا قد انتهت أصولهم إلى حذف هذه النون رفعا كحذفها نصبا وجزما.
واسمحوا لي هنا أن أحدثكم عن شيء مما عاق انتفاع القوم بمثل هذه الأوجه في تيسير اللغة للحياة؛ ذلك أن السيوطي الذي ساق هذا في كتابه «همع الهوامع على جمع الجوامع» يقول بعده: «ولا يقاس على شيء من ذلك في الاختيار.» فيردده الصبان في «حاشيته» من قولة مطولة في حذف هذه النون من الفعل المرفوع، ويمضي على أن هذا لا يقاس عليه في الاختيار كما قال السيوطي قبله، مع أن الصبان نفسه بعد هذا بصفحتين عند ذكر حذف ياء المنقوص في النصب على ما بيناه، وإيراد الأشموني قول المبرد إن تسكين هذه الياء في النصب من أحسن ضرورات الشعر، يعلق صاحبنا في «حاشيته» قائلا: والأصح جوازه في السعة، بدليل قراءة جعفر الصادق: «من أوسط ما تطعمون أهاليكم»، فلماذا كانت هذه القراءة دليل الجواز في السعة على الأصح، ولم تكن قراءة: «ساحران يظاهرا» دليل جواز حذف النون في السعة على الأصح؟! وإذا كان السيوطي قد نقل عدم القياس في الاختيار وهو يجمع؛ لأنه لم يتكلف التحري، فلماذا غفل الصبان وهو يحشي ويعلق وينقد عما خطته يده قبل ذلك بقليل؟! وإن لم يكن لواحد منها عذر؛ لأن القاعدة كما نقلها السيوطي نفسه في «الاقتراح»، هي الاحتجاج مطلقا، وقد عقب عليها السيوطي بقوله عن نفسه: «وما ذكرته من الاحتجاج بالقراءة الشاذة، لا أعلم فيه خلافا بين النحاة!» أهو الإلف والتقليد يصرف الشخص عن تأمل ما قرره، ويرده عن استعمال حقه العقلي؟ هو هكذا غالبا.
وأما قواعدهم فتخرج في جلاء حذف نون الأمثلة الخمسة رفعا ونصبا وجزما، وهو تخفيف مريح، فيه اختصار أيضا. (ب)
المضارع المعتل الآخر، ويحذف آخره في الجزم. وقد قال بعضهم: إنه يجوز في سعة الكلام، وإن لغة بعض العرب إبقاء هذه الحروف مع الجازم.
37
وقد قرئ في القرآن: «لا تخف دركا ولا تخشى»، «إنه من يتقي ويصبر». وهذا القدر من القراءة القرآنية، ومن أنه لغة، كاف لإبقاء الفعل المعتل دون حذف شيء منه رفعا ونصبا وجزما إراحة من الاضطراب الإعرابي، وتكون المعتلات الأواخر أسماء وأفعالا باقية بحالها، لا يعنت بها متكلم ولا كاتب. •••
Página desconocida