وفي الدكن سندرس قبل كل شيء أمر المراتها الذين نستطيع أن نصلهم وحدهم بالغزاة رأسا، ثم نبحث في العروق الدراويدية القديمة التي تختلف عن السكان الذين وصفناهم آنفا، ثم نختم الفصل بدرس أحوال الوحوش المقيمين بالجبال الوسطى، والذين يعرف أكثرهم بالكول، فدرجة هؤلاء هي الدنيا بين عروق الهند، وهي أقدم ممثلي الجنس البشري في تلك الديار. (1) المراتها
يشتق اسم المراتها من كلمة مهاراشترا التي تعني «المملكة الكبرى»، فهذا الاسم والعرق الذي يدل عليه قديمان في الهند إلى الغاية، فلا نستطيع أن نعين بالضبط حدود مهاراشترا القديمة ولا أصل الشعب الذي كان يسكنها، ففي القرن السابع عشر فقط ظهر المراتها على مسرح التاريخ فمثلوا دورا مهما ففتحوا قسما كبيرا من الهند فأقاموا دولة أهلية.
واليوم يتجمع المراتها، وعددهم نحو عشرة ملايين، في شمال الدكن الغربي بين جبال كهات الغربية وجبال سات بورا، ويقيمون بالمنطقة الجبلية المحتوية على منابع نهر غوداوري ونهر كرشنا ومجاريهما العليا، ويعتنقون منذ القديم الديانة البرهمية فيقسمون إلى طوائف، وهذه الطوائف دون سمياتها في الشعوب الأخرى مرتبة، ولا يعد الهندوس المراتها في مجموعهم إلا من طائفة الشودرا، وفي هذا دليل على أن المراتها أبناء عرق غلب في غابر القرون وأذل، ومثال المراتها توراني من بعض الوجوه، شأن الشعوب المتوالدة؛ فالمراتها وسيطو القامات صفر الجلود بارزو الوجنات قليلا صغيرو العيون مرتفعو طرف الأنوف واسعو المناشق، وتتصف نسوتهم بالتماع جلودهن وشعورهن السود الطويلة الكثة.
ويؤلف المراتها جامعة بلديات مستقلة يدير شئون كل واحدة منها رئيس منتخب يدعى بتيل، ويتألف من نواب البلديات مجلس وطني يسمى بنجايت، وبلغ المراتها من الارتباط في نظمهم القديمة ما حمل ملكهم لقب بتيل بعد أن أقاموا مملكة وما ظلت السلطة العليا قبضة ذلك المجلس الوطني.
ونذكر بجانب مراتها كهات الغربية أولئك ممالك مراتها الهند الوسطى، فلا يقيم بهذه الممالك أناس من عرق أولئك في الحقيقة، بل تملكهم، فقط، أسر من أولئك لا تزال محافظة على نفوذ قدماء الفاتحين وسلطانهم، ومملكة غواليار هي أهم هذه الممالك الممتدة مئات الكيلو مترات بين نهر جمنة وجبال وندهيا في راجبوتانا وبنديل كهند وكجرات، وينتسب مهاراجة غواليار إلى أسرة سندهيا الشهيرة التي استطاعت أن تقيم دولة زاهرة على أنقاض الدولة المغولية، وأن تقاوم الغزو الإنجليزي ببسالة، وأن تحافظ على عرشها حين تداعي العروش الأخرى في كل ناحية.
وأسرة سندهيا من أصل وضيع، فهي سليلة راناجي سندهيا الذي كان سنة 1725 يقوم في قصر بيشوابونا بحمل الخفاف فعظم أمره بالحيلة والدهاء، ثم أضحى ولداه مادهوجي ودولت راو بطلي استقلال الهند، فقاما بجهود جبارة لجمع كلمة أهل البلاد ضد غزاة الإنجليز.
والأفاق شيواجي هو الذي أسس دولة المراتها، وجعل من تلك البلديات الزراعية الصغيرة المجهولة الأمر أمة محاربة مرهوبة في القرن السابع عشر، والأفاق شيواجي هذا هو الذي ألف عصابات ذوات بأس شديد؛ فسارت هذه العصابات من الدكن، وألقت الرعب حتى في المدن الواقعة على مصب الغنج، وهدمت الدولة المغولية، ولا تجد اليوم شبها بينها وبين حفدتها خلا راجوات غواليار وإندور المحافظين على بعض ما كان لأجدادهم من نفوذ. (2) صفات العروق الدراويدية العامة
يبدو الدراويد، الذين نبحث في أمورهم الآن، نتيجة توالد سكان الهند الفطريين الأصليين والغزاة الصفر الذين أتوا من شمال وادي برهما بوترا الشرقي، ثم من توالد جميع هؤلاء والغزاة التورانيين الذين جاءوا من الشمال الغربي، ويقسم الدراويد، بحسب النسبة التي تغلب بها عنصرهم الأساسي، إلى فرعين: الدراويد الأصليين الذين هم نتيجة التوالد الأول، والدراويد المولدين الذين هم نتيجة توالد أولئك والتورانيين.
وإذا نظرت إلى القطر الهندي الواقع جنوب غوداوري وجدته دراويدي الطابع، ولا يزال حفدة الدراويد الأصليين يرون في المناطق الجبلية التي التجأ إليها أجدادهم بالتدريج فرارا من تأثير المغازي الأجنبية.
وعلى ما بين الدراويد الأصليين والدراويد المولدين من تفاوت تبصر فيهم كلهم صفات عامة كاسمرار جلودهم وضعف شعورهم واسودادها وملاستها وضخامة أنوفهم واتساع مناشقهم وسفول قاماتهم وشكل جماجمهم التي هي دون المستطيلة، وتبصر فيهم عبادات فطرية واعتقادات خرافية وطبقات طائفية، وما إلى هذه الأمور التي عرفوها قبل غزو الآريين لبلاد الهند على ما يحتمل، ولما قاتلهم الآريون كان عندهم قليل من التمدن كما دلت عليه أقاصيص الراماينا، فكانوا على علم بصناعة المعادن والخزف وإنشاء السفن وحبك النسج وفن الكتابة.
Página desconocida