وتعد الحبوب في الهند أهم ما تنبته الأرض، فيزرع فيها القمح والأرز والذرة والدخن بكثرة، فيكون للأهالي الذين حرم عليهم أكل اللحم طعام بذلك، فما في الهند من حرارة جو وقلة مواش وحظر نحر يحمل الهندوسي على العيش بما تخرج الأرض من قوت.
ومارس سكان الهند الزراعة بحذق ونشاط في كل حين، فلما حاول الأوربيون أن يحسنوها بما أدخلوه إليها من الأساليب الحديثة اعترف، في غير حالة، بأن المناهج القديمة خير من جديدها، وبأن من أصالة الرأي أن يرجع إليها، وذلك إلى ضرورة توسيع رقاع الأراضي الزراعية ما كانت هذه الرقاع لا تعدل غير ثلث مساحة الهند في الوقت الحاضر.
ووادي الغنج أخصب بقاع العالم، لا الهند وحدها على ما يحتمل، فتستره حقول عجيبة لا حد لها، فكلت عينا الفاتح المغولي بابر وارتدت عن تأمل امتدادها إلى ما وراء الأفق امتدادا مطردا، وليس بنادر أن ينتج هذا الوادي ثلاث مرات في السنة الواحدة، والأرز، على الخصوص، هو ما يزرع في ضفاف الغنج بعد الفيضان، وتكثر أيضا زراعة البر والقطن والتبغ والقنب والخشخاش في واديه المنقطع النظير بخصبه الذي لا ينفد.
وفي الهند حيث تروى الأرض جيدا تبدو هذه الأراضي خصبة سخية، وفي الهند حيث تقطع الولايات شبكة من مجاري المياه أو تفيض عليها رياح الجنوب الموسمية تنتج هذه الولايات إنتاج البنغال، وفي الحقول المطمئنة حيث تزيد الرطوبة تزرع بكثرة أنواع الأرز، وفي الحقول المرتفعة حيث تقل الرطوبة يزرع البر.
والأفيون أهم ما تصدره الهند بعد الحبوب التي تمتلئ بها السفن كل يوم فتنقلها إلى بلاد الغرب، ويزرع الأفيون، على الخصوص، في سهل الغنج والبنجاب وراجبوتانا، وتستأثر الحكومة الإنجليزية باحتكاره، وما تستنفده بلاد الصين من مقادير الأفيون العظيمة هو ما تستورده من الإنجليز بعد أن يزرعوه في أتربة الهند، وليست بمجهولة أنباء حنق الإنجليز وغيظهم من ولاة الأمور في مملكة ابن السماء حينما أرادوا وقاية رعاياهم من هذا السم القاتل، فأسفر ذلك عن شهر الإنجليز لتلك الحرب المعروفة «بحرب الأفيون» فأكره الإنجليز الغالبون فيها بلاد الصين على إدخال أفيون الهند إليها كما في الماضي، فيموت في كل سنة عدة ألوف من الآدميين بسبب استعماله.
وزراعة القطن في الهند تلي زراعة الأفيون أهمية، ويصلح بعض الأصقاع من أراضي الدكن العليا لزراعة القطن كثيرا، والقطن الهندي دون القطن الأمريكي حظوة وإن أدت حرب الانفصال إلى إقبال الناس عليه لبضع سنين، فزادت زراعته وتجارته زيادة غير منتظرة، ولا يزال القطن الهندي عامل إصدار مهم بعد غزله أو تحويله إلى نسج، وكان لنسائج الهند القطنية شهرة فنازعها الغرب إياها بآلاته، فصار الغرب يرسل إلى الهند مثل ما ترسله الهند إليه.
وفي الهند يزرع القنب ثم تصدره بوفرة، والحبوب الزيتية مما تنتجه الهند فتبيعه من الخارج.
ولا يبتاع الأوربيون التبغ الهندي؛ لسوء تعبئته، فيستنفده أهل الهند، وتشتهر مدينة تري جنابلي الواقعة في الجنوب بسيغاراتها مع ذلك.
وتجيء الهند بعد الصين في زراعة الشاي، وأسفرت زراعة الشاي في منطقة آسام عن أطيب النتائج، وتتقدم زراعة القهوة منذ أواسط هذا القرن في ربى الجنوب ولا سيما في مملكة ويناد الصغيرة الواقعة في جنوب مملكة ميسور.
والعظلم
Página desconocida