Civilizaciones de la India

Cadil Zucaytar d. 1377 AH
197

Civilizaciones de la India

حضارات الهند

Géneros

استحوذ على الناس بأوروبا عجب عظيم حينما علموا أمر البدهية من كتبها الفلسفية التي وضعت بعد ظهورها بستة قرون، فترجمت منذ سنوات قليلة إلى اللغات الأوربية، فرأوا أن أتباعها البالغ عددهم خمسمائة مليون نفس لا يعرفون إلها عادين العالم وهما باطلا لا يقابل آمال الناس إلا بالعدم.

شكل 3-9: بندرابن. معبد غوبندو «القرن السادس عشر من الميلاد»، «يبلغ ارتفاع المقدم 14 مترا.»

ومن الطبيعي أن كنت لا أعرف عن البدهية، قبل زيارتي للهند، غير ما ورد في الكتب التي أشرت إليها آنفا فأتكلم عنها في فصل آخر، وكنت أشك، مع ذلك، في إمكان اعتناق الملايين من شباه البرابرة لإلحادات فلسفية فاترة، فكان يلوح لي أن مما يناقض سنن التاريخ أن تظهر ديانة قائمة على مبادئ كتلك المبادئ بغتة في العالم وأن تغيب هذه الديانة عن البلد الذي ظهرت فيه فور قيامها تقريبا، فكنت أرجو أن تؤدي دراستي للمباني البدهية، التي أهمل أمرها من بحث من علماء أوروبا في الديانة البدهية، إلى إلقاء ضياء جديد على تاريخ هذه الديانة، فلم يخب رجائي، فثبت لي من النظر في النقوش التي تستر وجه المباني القديمة في الهند أن الديانة البدهية التي مارسها الهندوس في ألف سنة تختلف عن الذي نتعلمه من الوثائق المكتوبة.

وفي المباني، لا في الكتب، يجب دراسة تاريخ البدهية، فما تخبرنا به المباني غير ما نجده في الكتب الأوربية، فهذه المباني تثبت أن البدهية التي أراد العلماء المعاصرون أن يجعلوا منها ديانة إلحاد هي أكثر الديانات قولا بتعدد الأرباب.

أجل، إن المصلح الأكبر بدهة لم يظهر في المباني البدهية الأولى التي أقيمت منذ نحو ألفي سنة، كسياجات بهارات وسانجي وبدهة غيا وغيرها، إلا رمزا، فكانت تعبد آثار قدميه وصورة الشجرة التي بلغ تحتها درجة الحكمة العليا، غير أنه لم يعتم أن أصبح إلها ماثلا في جميع المعابد، وقد بدا وحيدا في أول الأمر كما يرى في أقدم معابد أجنتا، ثم اختلط بالتدريج بالآلهة البرهمية: إندرا وكالي وسرسوتي، إلخ. كما يرى في معابد إيلورا، ثم غرق بين ما كان يهيمن عليه من الآلهة الكثيرة فعاد بعد بضعة قرون لا يعد إلا جسدا لوشنو، فهنالك أفلت البدهية عن الهند.

وتطلب حدوث ذلك الأفول أو التحول الذي أشرنا إليه في بضعة أسطر مدة ألف سنة، وأنشئت المباني الكثيرة التي تنطق بتاريخه بين القرن الثالث قبل المسيح والقرن السابع بعده، وظل بدهة يعبد في أثناء هذا الدور الطويل كإله قادر على كل شيء، وفي الأساطير تصوير له وهو يمنح أتباعه النعم، وفي رحلة العالم البدهي الحاج هيوين سانغ الصيني الذي زار الهند في القرن السابع خبر بأن بدهة ظهر أمامه في غار مقدس بما اتفق له من اتصال طويل في الهند.

فالأساطير والمباني صريحة إذن، فلو استند البحث في البدهية إليها لبدت على غير الصورة التي صورت بها في الزمن الحاضر، ومن المؤسف أن أهمل علماء أوروبا دراسة مباني الهند حتى الآن، فلم يزوروا الهند، فاقتصرت دراستهم للبدهية على الكتب، ومن المؤسف أن عولوا على كتب المذاهب الفلسفية التي وضعت بعد وفاة بدهة بخمسمائة سنة فكانت بعيدة من الديانة الحقيقية.

على أنه لا جديد في التأملات الفلسفية البدهية التي أثارت عجب الأوربيين كثيرا، فقد وجدت، منذ عرفت كتب الهند بأحسن مما في الماضي، في كتب المذاهب الفلسفية التي ازدهرت في العصر البرهمي، ففي كتب الحكمة التي عرفت بأوبانشاد التي وضعت في مختلف الأدوار فوجد منها نحو مائتين وخمسين ترى الزندقة وازدراء الوجود والأدب المستقل عن المعتقدات الدينية والمبدأ القائل إن العالم باطل، إلخ، وترى في بعض تلك الكتب ما في الكتب البدهية الفلسفية من المذاهب، وكان واضعوها من العاملين بمذهب الكرما الذي هو أساس البدهية وأساس جميع فرق الهند الدينية وأساس شريعة منو فيقول: إن الناس مجزيون بأعمالهم في البعوث القادمة، وإن غاية هذه البعوث هي الفناء في أصل الأشياء العام، في برهما الذي حكى عنه منو فيقرب من نروانا عند البدهيين، فالروح تنجو، إذ ذاك فقط، من البعوث.

والإنسان، لكي ينتهي إلى ذلك الفناء النهائي، يجب عليه، كما يقول البدهيون والبراهمة، أن يقمع الرغبة وأن يزهد في متاع الدنيا وأن يعيش عيش النساك المتأملين.

فمن ثم ترى أن نظريات العصر البدهي الفلسفية مطابقة لنظريات العصر البرهمي الذي جاء قبله، وهي قد نمت مؤازية للدين الذي يعلمه الكهان ويمارسه الجمهور وإن اختلفت عنه أشد الاختلاف، فعدها كالبدهية نفسها من الخطأ العظيم كخلط نظريات الأوبانشاد بالبرهمية، والبدهية إذ لم تعرف في أوروبا إلا بتأملات بعض أتباعها الفلسفية عدت هذه التأملات البدهية نفسها.

Página desconocida