ونحن، وإن لم يكن لدينا علم قاطع بأصل الآريين، نعرف وجودهم من آثارهم الأدبية أو من آثار حفدتهم الذين دخلوا الهند فيما مضى، وفيما تقدم ألمعنا إلى حقيقة تلك الآثار، فبقي علينا أن نبحث في أحوال واضعيها الاجتماعية ودرجة حضارتهم، وهذا ما نفعله كما يأتي: (4) الأسرة عند الآريين
كانت الأسرة والعرق في العصر الويدي أساسي المجتمع الآري، فلم يفرق بين الآريية أية زمرة كالقبيلة أو العشيرة أو الحكومة، والعرق عند الآريين هو الذي كان يعلو الأسرة، ولم يوجد شيء عندهم دون الأسرة، فالفرد الآري لم يعد مستقلا عن أجداده ولا عن حفدته، فالوحدة، لدى الآريين، لم تقم على الفرد، بل قامت على الأب والأم والأبناء والأجداد وعلى الذراري التي تخرج من أصلاب هؤلاء فتحافظ على ذكراهم واسمهم بتعاقب الأجيال.
ولم تكن الديانة عند الآريين سوى عبادة العرق والأسرة، وكانت آلهة الآريين تختلط بالأجداد، وكان النكاح والولادة لديهم من الأعمال المقدسة، وكانوا يرون أن انتقال الحياة من الأب إلى الابن بواسطة الأم هو انتقال خفي لإله النار أغني الذي هو أصل الإلقاح وسيد الكون ومبدعه من خلال أحشاء البشر لتخليد الوجود الأزلي.
ومن أعظم المصائب عند الآريين أن يتزوج الواحد منهم أجنبية أو أن يموت غير ذي ولد، فإفساد نقاوة العرق لدى الآريين كانت تتضمن قطعا أبديا للنسب الإلهي الذي يصل الآري بأغني، فيؤدي ذلك إلى تصام هذا الإله عن صلوات ذلك الذي أوجب جريانه، وهو إله كل حياة نقية في عروق شعبه الذي يكون قد اتصل بعناصر غليظة جبلت منها العروق الدنيا، فالزواج بالأجنبيات، إذن، هو عند الآريين، جناية يستحق مقترفوها اللعنة الدائمة.
وليس بأقل فظاعة من ذلك أن يموت الآري بلا عقب، فالولد، عند الآريين، يخلد الأجداد بما يقوم به من عباداتهم، وبما يقرب من القرابين إليهم، فإذا قطعت تلك العبادة وهذه القرابين تلاشت أرواح الآباء وفنيت وزالت الأسرة إلى الأبد.
والبنات الآريات إذا ما تزوجن انتحلن آلهة أسر أزواجهن فعبدن أجدادهم، وصرن غير صالحات لتخليد آبائهن، فالرجل الآري الذي يموت غير ذي ابن يهلك من غير أن يبعث فيما وراء القبر، ويجر خلفه، بذلك، أجيالا كثيرة من الأجداد إلى بوار لا يمكن تلافيه.
وترى في الرغ ويدا نصا على قرابة الإله أغني، وعلى شأنه في خلق الأسرة، وعلى نقاوة العرق وأهميته، وعلى ضرورة ولادة أعقاب قادرين على تقريب القرابين، جاء في الرغ ويدا:
أغني هو رب الخلود، هو رب الغنى، فهو الذي ينعم بالأسرة القوية، فيا إلهنا القادر! لا تؤاخذنا، نحن عبادك، بما تراه فينا من عدم العقب ومن العطل من الجمال وفقدان القرابين.
أيشملنا العطوف أغني بأفضاله؟ أنأمل منه سعة سرمدية؟! فيا أغني لسنا من أصلاب عرق أجنبي ولا من عرق كافر، فلا تسلك غير السبيل المؤدية إلينا.
فلو لم يكن الإله أغني من دم كدمنا؛ لكان من العبث بحثه عن خضوعنا وقرابيننا، فله علينا حق المأوى فحنفظه له، فليدخل علينا هذا الإله القادر الظافر الجدير بأن يسجد له.
Página desconocida