5
ثم سلكوا طريقين للهجرة، إحداهما الطريق المؤدية إلى أوروبا والأخرى الطريق المؤدية إلى إيران، فالآريون الذين سلكوا طريق إيران أقاموا ببلاد فارس وبقطريان والصغد، ثم داوم حفدتهم على سيرهم إلى الجنوب فجاوزوا جبال هندوكش ودخلوا الهند، فإذا صحت هذه النظرية كان الأوربيون والهندوس فرعي دوحة آسيوية بدوية واحدة.
بيد أن تلك النظرية ليست غير فرضية قائمة، فقط، على تشابه أصول اللغات الأوربية «اللاتينية واليونانية والألمانية، إلخ» والفارسية والسنسكرتية.
حقا أن هنالك قرابة لغوية بين الهندوس والأوربيين، ولكننا نعلم اليوم أن تشابه اللغات لا يعني، دائما، قرابة العروق، فإذا عدوت هذه القرابة اللغوية لم تجد ما يؤيد تحدر الأوربيين من أصل آسيوي، ما أمكن افتراض العكس بأن يقال إن الآسيويين أتوا من أوروبا.
هذا ما افترضه حديثا علماء من الألمان مستندين إلى وجود أناس شقر قليلين في شمال الهند الغربي، وأرى أن فرضية علماء الألمان هذه ضعيفة كتلك ما عد هؤلاء الشقر القليلون بقية كثير من الغزاة الذين أتوا منذ ثلاثة آلاف سنة فاتحين لتلك البقعة من كل جهة، لا من أوروبا وحدها، فإذا كان في العالم بقعة يندر وجود الشقر فيها فهي بلاد الهند لا ريب؛ فلقد طفت في جميع نواحيها فلم أصادف فيها إنسانا أشقر، وهذا إلى قولي إن الشقر الآريين لا بد من أن يكونوا قد وجدوا فعرفهم منو فعدهم من شعب متأخر فحظر زواج رجال الطوائف العليا بنسوتهم «ذوات الشعور الشقر».
لم يبق سوى الرجوع إلى الافتراض القائل إن الآريين من أصل آسيوي بعد دحض الافتراض القائل إن الآريين من أصل أوربي، فقد رئي نزولهم الأساسي بمختلف البقاع الممتدة من نهر أكسوس إلى بحيرة بال كاش، أي ببقعة من بلاد المغول كان العرق الأصفر يملكها منذ أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد على حسب ما جاء في أقاصيص الصينيين، فأرى، أيضا، وجوب استبعاد هذا الافتراض القائل إن بلاد المغول هي مهد الآريين، ما لم نرض بزعم ويلر الواهي القائل إن الآريين من المغول.
ولا أحاول هنا أن آتي بافتراض جديد في أصل الآريين، بل أذكر أن المحتمل أكثر من سواه، على ما يظهر، هو أن الآريين كانوا سكان إيران الأصليين، وأن المجاورين منهم للهند هم الذين دخلوها على دفعات متتابعة لا ريب، كما استولى أجدادهم على أوروبا من قبلهم، وأن تأثيرهم في دماء الشعوب المقهورة كان ضعيفا إلى الغاية كما يبدو لي خلافا للرأي السائد.
ولا أعتقد وجود شعب في الدنيا يستطيع أن يزعم اليوم أنه من سلالة الآريين، وسبب ذلك أنه افترض ضيق بلد الآريين الأول وأن ما فتحه الآريون من البلاد، ولا سيما الهند واسع آهل بأمم كثيرة، فوقع ما أثبته البحث من أن شعبين متفاوتين في العدد إذا تقابلا لم يلبث أكثرهما عددا أن يبتلع أقلهما عددا ابتلاعا يمحي به مثال هذا الأخير بعد بضعة أجيال، ووقع مثل ما حدث في مصر التي ليس القوم فيها من سلالة العرب الفاتحين، بل من سلالة مصريي عهد الفراعنة، كما تشهد بذلك سحناتهم المشابهة لسحنات قدماء المصريين التي خلدتها نقوش المعابد، وذلك مع اعتناق المصريين لدين العرب وانتحالهم لغة العرب وفق ما ذكرت في فصل سابق.
شكل 1-2: نقش إغريقي بدهي بالقرب من بيشاور «صنع قبل القرن الخامس من الميلاد بزمن قليل على ما يحتمل.»
وجب أن يكون شأن الآريين في أوروبا قد تماثل هو وشأنهم في الهند، فيكونوا قد أدخلوا إلى الأمم المغلوبة حضارتهم ولغتهم، لا دمهم، وهم إذا لم يتواروا في الهند بسرعة كما توارى العرب في مصر فلأن نظام الطوائف الشديد حال دون امتزاجهم في الهند بالتورانيين المقهورين زمنا طويلا أو أنهم امتزجوا بهؤلاء شيئا فشيئا، ولكن هذا الامتزاج مهما كان بطؤه أدى إلى اختفاء الفاتحين بتعاقب القرون، فلم تجد في الهند أثرا للآريين منذ زمن طويل، ونحن إذا سايرنا رخصة اللغة والعادة فقلنا إن الشعب الفلاني آري فإننا نقصد بذلك أن هذا الشعب من البيض، وأنه يدنو من مثال الأوربيين من غير أن يساويهم بياضا.
Página desconocida