ولما يمض قرن على معرفة أوروبا لتلك الأسفار، وقضى مترجموها من العجب ما لا يقل عن نصبهم في سكب أفكار واضعيها المترددة في قالب لغوي واضح، ولا أرى أن أحكم هنا في ذلك الأثر الأدبي العظيم الذي لا يلقي في روع من يقرؤه بإنصاف سوى قليل عجب بالحقيقة، فهو يعترف، لا ريب، بأن من العبث أن يبحث فيه، خلافا لما صنع حتى الآن، عن «أثر الرعاة الفطريين الذين يقدسون للآلهة حين يسرحون
2
أنعامهم »، وليس مما يحتاج إلى نظر ثاقب أن يقطع بعجز الرعاة عن وضع أشعار كالتي نراها في الويدا، فكل شيء في الويدا مصنوع، وهو من وضع أدباء نبهاء ولاهوتيين أذكياء، فمتى نفذ مبدأ التطور في العلوم التاريخية سهل الاعتراف بأن آثارا كالويدا تفترض سابق إعداد في قرون فلا تصدر عن أدمغة أناس فطريين كما أن كنيسة غوطية لا تصدر عن أدمغة أناس فطريين معاصرين للماموث
3
أو لوعل الشمال، فلا نبحث في الويدا، إذن، عن الحضارة الفطرية، بل عن حضارة أمة ذات ماض تليد. (3) أصل الآريين
تطلق كلمة «الآريين» على شعب، ذي جلود بيض وشعور سود ولغة ضائعة معروفة بالأرياك «فاشتقت منها اللغة المعروفة بالسنسكرت»، هبط قبل الميلاد بأكثر من خمسة عشر قرنا إلى شمال الهند الغربي مارا من معابر كابل، وكان الآريون قبائل شبه بدوية شبه حضرية تعرف الزراعة وتتصف، ككثير من الأعراب، باتقاد الخيال، وتشابه بطرق معايشها قدماء الفرس الذين حكى عنهم هيرودتس.
وتقدم الآريون رويدا رويدا من نهر السند إلى نهر الغنج، ثم تقدموا من نهر الغنج إلى نهر برهما بوترا، فأخضعوا في أثناء ذلك ذوي الجلود السود والشعور السباط
4
كما أخضعوا التورانيين الذين سبقوهم إلى الهند، فتدرج الآريون من البداوة إلى الحضارة.
لا يزال أصل أولئك الغزاة الآريين، الذين مثلوا، لا ريب، دورا مهما في تاريخ الهند خافيا، ويرى، على العموم، أن الآريين الفطريين كانوا يقطنون قبل الميلاد بألفي سنة في بقعة من التركستان مجاورة لمجرى نهر أكسوس،
Página desconocida