والفتى من أولئك القوم يشتري له أبواه المرأة التي يرغب في الزواج بها، وهو، إذ كان لا يملك لنفسه شيئا، لا يقدر على تأليف أسرة مستقلة عن أبويه، فيبقى تحت وصايتهما زمنا طويلا، وللمرأة من أولئك القوم حق الطلاق، فتتزوج، في بعض الأحيان، أربعة أزواج أو خمسة أزواج بالتتابع، فيجب على كل زوج لاحق من هؤلاء أن يرد إلى الزوج السابق ما دفعه، فيسعى الزوج اللاحق إلى التخلص مما عليه.
إذن، يمارس أولئك القوم مبدأ تعدد الأزواج من الذكور ممارسة مقنعة، وتنشأ هذه العادة عن الفقر وعن ارتفاع المهور، وقتل الأولاد عند أولئك القوم أمر شائع، فالأسرة الواحدة منهم لا تحتفظ، في الغالب، بغير ابنة أو ابنتين، وأما البنات الأخرى فيوضعن، حين ولادتهن، في آنية من فخار ويدفن، فيسفر ذلك عن زيادة مهور النساء لقلة عددهن.
ومعايش سكان جهوتاناغبور ضنك، فأراضيها فقيرة وفلاحتها رديئة، وأسوأ منها أراضي أوريسة، حيث يغتمر الطوفان غلاتها الهزيلة في بعض الأحيان فيعقب الطاعون ذلك، ثم يسفر الجدب الذي يجيء بعد ذلك عن موت الألوف من السكان جوعا، وليس للإنسان في بلد بائس كهذا البلد أن يختار نوع الطعام، فترى الكول يأكلون من كل لحم مع مقت براهمة الهندوس لذلك.
ولم يكن ساحل أوريسة منطقة بائسة في كل زمن كما هو اليوم، فقد كان يقوم فيه دولة زاهرة أيام هارون الرشيد وشارلمان، وفي أساطير الهندوس ما يؤيد ذلك، وما اشتمل عليه من المعابد العجيبة الخربة، كمعابد بهو ونيشور، يثبت، بأقوى من ذلك، أن هذا الساحل غير المقراء
41
كان مقرا لحضارة قوية، ومما لا ريب فيه أن الكوند الوحوش لم يكونوا المبدعين لذلك الفن المعماري الرائع التالد.
وتغشى ساحل أوريسة معابد أكثر من أن تغشاه مدن، وساحل أوريسة هذا، الذي يتساوى البراهمة والهمج في تقديسه؛ إذ يقع بين الهند الآرية والهند الدراويدية، شاهد على اختلاط كثير من العروق والأديان فيه، وعلى نظر المؤمنين إليه نظر إجلال واحترام، وعلى حجهم له من كل صوب وحدب مهما كان نوع الإله الذي يعبدونه.
ذلك ما يبهر الهمجي الذي لم يسجد لغير أوثان فيدعو كالي ووشنو وشيوة فينتقل ما يدور في خلده من الهواجس إلى بني قومه فيتساوون هم والآخرون في بعض المعابد حينا فيغدو المنبوذ أخا لأشهر البراهمة، فلا ترى فرقا بين الأبيض والأسود وبين الآري والدراويدي وبين الهمجي والمتمدن، فيخيل إليك امتزاج مختلف العناصر التي يتألف منها سكان شبه جزيرة الهند لوقت قصير.
بحثنا في تلك العناصر بحثا خاطفا، فنختم دراستنا بذكر شعب الأوريا المهم القاطن في المنطقة الساحلية الممتدة من شاطئ أوريسة إلى مصب نهر الغنج، فهذا الشعب المتوسط، الذي هو شعب شبه همجي ذو لغة خاصة وغير ذي مثال واضح، أخذ نصيبا من العروق الكثيرة التي يعيش بينها.
شكل 3-8: امرأة هندوسية من جنوب الهند تهرس الأرز.
Página desconocida