وهنا أنبه القارئ إلى أن المنازل العربية وأبراج الحمام في مصر تمت إلى المباني الفرعونية القديمة بصلة القرابة، وقد كانت تتمثل لي من بعيد أبراج الحمام المصرية، الكبيرة أحيانا كبعض البيوت الأوربية، وما يحيط بها من المرافق أطلالا لبعض المعابد المصرية، فأبراج الحمام المصرية مقتبسة من صروح قدماء المصريين ، والمنازل المصرية تميل إلى الشكل الهرمي الذي يظهر أنه دستور فن العمارة الفرعونية، وبهذا وحده يبدو تأثير الطراز المصري القديم في طراز البناء الإسلامي، ويزول العجب عندما نعلم أن سكان وادي النيل حفدة لقدماء المصريين أكثر من أن يكونوا عربا. (3-3) الطعام
يقتصر فقراء العرب في طعامهم على الطلم
6
وبعض الخضر والفواكه كالموز والتين والرطب، ويحتوي طعام الموسرين منهم على اللحم في الغالب، وتعد الفراريج المقطعة المحاطة في الصحن بالأرز أكلة المصرين الوطنية، ويعتمد أهل الجزائر في طعامهم على الكسكسو المصنوع من العجين المحبب المخلوط بأنواع اللحوم ولا سيما لحم الضأن.
ومهما يكن العربي فقيرا، ومهما يكن العربي بدويا، يبالغ في اقتراء الضيف، وينفق في هذا السبيل من سعة، ويؤتى بصحون الطعام على طبق كبير من النحاس، ويجلس من حوله القرفصاء، ويتناول الطعام بالأيدي، لا بالملاعق والشوكات التي ليست موجودة، ويكون اللحم مقطعا سلفا، وتؤخذ من مختلف الصحون قطع من اللحم وتدحرج في الكف حتى تصبح كبة، ومن أدب المائدة عند العرب: أن تقدم هذه الكبة إلى الضيف ليزدردها، ومن سوء الأدب رفضها، فإذا ما كانت تلك الكبة من صنع أعرابي لم يقم بما أمر به القرآن من الوضوء كانت من نوع حبوب المرضى العسيرة الهضم، وإذا ما فرغ الضيوف من طعامهم أحضرت إليهم الطسوت ليغسلوا أيديهم.
ولا تزال الطباخة العربية في المراحل الأولى، وقد أتيح لي، مع ذلك، أن أرى على الموائد العربية من أنواع الطعام ما تجهله الموائد الأوربية، ولا سيما الحلويات الفاخرة والقشديات المتقنة، وقد حذق العرب عمل الحلاوى والمرببات كثيرا.
والماء هو ما يشربه المسلمون عادة، ولكنهم في الشرق يشربون العرق المصنوع من البلح والممزوج بالمصطكاء، وذلك مع قليل من الجهر.
وليس بمجهول أن موائد النساء العربيات مستقلة عن موائد الرجال، وأن أزواج رب العائلة وبناته يبالغن في خدمته ولا يأكلن إلا بعد أن يتم طعامه. (3-4) الأزياء
يعجب المرء، حين يتصفح إحدى المجلات التي صدرت منذ قرن والمشتملة على صور للأزياء التي شاعت في أوربة وحدها في غضونه من تحول آراء الأوربيين وأذواقهم في الأزياء ومحافظة العرب على أزيائهم التي ألفوها منذ اثني عشر قرنا مما يدل على ثبات تقاليدهم، أجل، لم تكن أزياء المسلمين واحدة في جميع أنحاء إفريقية ومصر وسورية وجزيرة العرب، ولكنه يسهل تبين ما بينها من الشبه العظيم، وهي ترد إلى جلباب وعباءة دائما، والعباءة زرقاء أو سوداء في مصر، وبيضاء في الجزائر، ومخططة بخطوط بيض وسود في سورية ... إلخ.
وقد يكون غطاء الرأس أكثر ما يتحول من الأزياء العربية، ومع ذلك فإن غطاء الرأس قد تحول ضمن دائرة ضيقة، ففي مصر يلبسون الطربوش والعمامة، وفي سورية يلبسون الكوفية، وهي منديل زاهي الألوان يلف به الرأس، وهو مصنوع من وبر الإبل، وفي الجزائر يستر الرأس بغطاء أبيض يستقر عليه بشطن
Página desconocida