وكانت غزوة العرب الأولى في السنة الثالثة والعشرين من الهجرة (644م)، وكانت ولاية برقة القريبة من مصر أول ما استولوا عليه، ثم فتحوا ولاية طرابلس الغرب، واستولوا على مدن كثيرة في سنة 646م، ثم جلوا عن البلاد بعد أن أعطوا فدية، ولم يظهروا ثانية إلا بعد عشرين سنة حينما امتشقوا الحسام، وأوغلوا في البلاد حتى المحيط الأطلنطي.
شكل 5-8: زخارف من القاشاني المطلي بالميناء في مسجد القيروان (من صورة فوتوغرافية).
وبنى العرب عاصمة إفريقية العربية القادمة، القيروان، في سنة 675م، واستولوا على قرطاجة في سنة (691م / 69ه)، وهزموا الجيش الكبير الذي جمعته ملكة البربر الكاهنة لمقاتلتهم، وصار لهم في سنة 711م من القوة ما فتحوا به بلاد إسپانية.
وكان يقوم بأمور الحكومة في إفريقية، حتى أوائل القرن التاسع من الميلاد، أمراء بالنيابة عن الخلفاء، فلما صار سلطان الخلفاء هنالك اسميا منذ عهد هارون الرشيد، انفرد الأمراء بالحكم، واتخذوا القيروان عاصمة لهم.
وتداول الحكم في إفريقية من سنة 800م إلى سنة 909م أحد عشر أميرا من الأغالبة متخذين القيروان عاصمة لهم، وكان هم هؤلاء الأغالبة مصروفا إلى مزج العرب بالبربر؛ فتمتعت إفريقية في أيامهم بطمأنينة عظيمة، ثم قلب البربر دولتهم، ونصبوا أميرا فاطميا من أصل بربري خليفة، فغدت إفريقية مستقلة عن العباسيين الذين لم تكن إفريقية تابعة لهم إلا بالاسم منذ زمن طويل.
شكل 5-9: خشب محفور في مسجد القيروان (من صورة فوتوغرافية).
وقامت بأمور إفريقية دول بربرية مستقلة حتى الفتح التركي الذي وقع في القرن السادس عشر من الميلاد، ولم يلبث ذلك الاستقلال البربري أن صار شؤما على إفريقية، فقد انقسم البربر إلى زمر لا تحصى تبعا لغريزتهم التي كانت تمنعهم من تأليف أمة كبيرة، وقامت في إفريقية دويلات كثيرة مستقلة متقاتلة قياما لم تر إفريقية معه سوى بصيص من الحضارة.
ولا يمكننا أن نقدر طبيعة تأثير العرب في إفريقية إلا إذا تذكرنا أن لفتوحهم دورين مختلفين كل الاختلاف، وأن لهذين الدورين نتائج إثنوغرافية مختلفة كثيرا.
والدور الأول هو دور الفتوح الأولى التي تمت في القرن السابع من الميلاد، ولم تخرج عن كونها احتلالا عسكريا محدودا جدا.
ولو اقتصر العرب في إفريقية على ذلك الاحتلال؛ لاستغرقتهم جموع البربر في بضعة أجيال كما حدث لهم في مصر، ولكان أثرهم في التمدن لا في الدم.
Página desconocida