يشتهر هذا الجامع بقبته الكاسية بالزينة العربية البارزة النقوش، وبمئذنته الرائعة المثلثة الطبقات المغطاة بالنقوش، والمعدودة عنوان فن العمارة العربي الأخير على ما يحتمل، والناظر إلى هذه المئذنة يشاهد درجة ذوق العرب الفني في الزخرف البارز على الحجارة التي تصنع منها المساند والأطناف والأروقة الناتئة عن مستوى جدران المآذن، والتي تكتسب بها المآذن منظرا رائعا لا ترى مثله في البرج المربع أو البرج الأسطواني.
ويعد جامع قايتباي كما يعد جامع برقوق، من المباني المتصدعة التي يسميها الناس مزارات الخلفاء، وأقيم أكثر هذه المباني في زمن المماليك الشراكسة، وذلك في سهل رملي قريب من القاهرة، ويتألف من مجموع هذه المباني منظر من أجمل ما رأيت، ويرى في الناحية الأخرى من القاهرة، وبالقرب من القلعة، سهل آخر ذو مزارات مهمة ممتعة كثيرا بنيت في مختلف الأدوار، ويعلو هذه المزارات متنوع المآذن والقباب، ولا أرى أن أفصل أمرها لما في ذلك من الخروج عن نطاق هذا الفصل، ومع ذلك فقد نشرنا صورة فوتوغرافية لهذه المقبرة في هذا الكتاب. (4-9) المساجد التركية في القاهرة
لا أرى بين المساجد والقصور القليلة التي أنشئت منذ أوائل القرن السادس عشر، أي منذ استيلاء الترك على مصر، مسجدا واحدا أو قصرا واحدا يستحق الذكر، ولو نظرت إلى أهم المباني التركية في مصر، أي إلى جامع محمد علي الضخم ذي القبة الفطساء والمآذن الأسطوانية الهزيلة التي تنتهي بما يشبه المطفأة، لرأيت الهوة العميقة التي تفصل بين ذوق العرب الفني وذوق الترك.
شكل 4-23: ردهة استقبال عربية في القاهرة (من تصوير پريس الأفيني).
نعم، لم يكن العرب حين فتحوا مصر من رجال الفن المتضلعين، ولكن ما فطروا عليه من الذوق الفني العالي حفزهم إلى ابتداع طراز عمارة جديد من عناصر الفن البزنطي، وغير ذلك أمر أولئك الترك الذين لم يكونوا أهلا للانتفاع بمواهب أساتذة الفن وأمثلته، والذين لم يروا، حين أرادوا إنشاء جامع في القاهرة، غير نسخ عمارة أيا صوفية الثقيلة التي كانت كنيسة بزنطية، والتي هي عنوان مرحلة فنية جاوزها العرب منذ زمن طويل، فعند تلك المرحلة وقف الترك، ولم يستطيعوا قطعها. (4-10) الآثار العربية الأخرى في القاهرة
أبواب المدينة، القلعة، بئر يوسف ... إلخ: أذكر، من بين الآثار العربية التي أقيمت في عصر الخلفاء والتي يتجلى فيها فن العمارة العربي، بابين من أبواب القاهرة، وهما: باب النصر وباب الفتوح اللذان أنشأهما الخليفة الفاطمي المستنصر في القرن الحادي عشر من الميلاد.
وأذكر كذلك قلعة القاهرة التي أنشأها السلطان صلاح الدين في القرن الثاني عشر، وتستقي هذه القلعة ماءها من بئر منقورة في الصخر نقرا يدل على مهارة مهندسي ذلك الزمن، ويبلغ عمق هذه البئر 88 مترا، ويبلغ مدخلها ثمانية أمتار، وتقسم إلى طبقتين، ويرفع ماؤها بقوة الثيران التي تحرك دولابها ذا السبح والقلل، ويمكن النزول حتى الطبقة الأولى من هذه البئر بطريق مستديرة سهلة الانحدار ذات قصفان
14
واطئة إلى حد يسهل معه نزول الثيران إليها وصعودها منها.
ونشاهد في القاهرة آثارا كثيرة للحضارة العربية، كالمنازل والأسلحة ومختلف المصنوعات وغيرها من الأشياء التي سندرسها في فصول أخرى، فإذا أضاف القارئ درس هذه الأشياء إلى درس الآثار التي ذكرناها آنفا اتضح له أمر الحضارة التي أقامها رجال القرآن في مصر.
Página desconocida