بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نيقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافر، والجواب ما تراه، لا ما تسمعه.
رأى «كلب الروم» الجواب، فقد خرب هارون الرشيد بلاده تماما، وأرغم قيصر القسطنطينية النصراني على دفع الجزية إلى أمير المؤمنين.
ومن الإنصاف أن عد سلطان العرب السياسي في عصر الرشيد وابنه المأمون أقصى ما انتهى إليه سلطان العرب في الشرق، فقد كانت بلاد الصين حدا لدولة العرب في آسية، ودحر العرب قبائل إفريقية المتوحشة إلى حدود بلاد الحبشة، ودحروا الروم إلى البسفور، ولم يقفوا في الغرب إلا عند المحيط الأطنلطي، والحق أن هؤلاء القوم الشجعان الذين لبوا دعوة محمد، وغدوا أمة واحدة، أقاموا دولة بلغت ما بلغته دولة الرمان من الاتساع في أقل من قرنين، وأن هذه الدولة بدت أكثر دول الأرض هيبة وتمدنا.
بيد أن مصير الدول الحربية العظمى المطلقة تابع لاقتدار ولاة أمورها، فإذا كان هؤلاء الولاة من العباقرة، كهارون الرشيد وابنه المأمون، أينعت تلك الدول وتقدمت، وإذا لم يكونوا أبناء بجدتها هبطت بسرعة أعظم من التي قامت بها.
ولم يكن كثيرا على أعاظم الرجال أن يحفظوا للخلافة هيبتها تجاه ما كان يبدو من تفرق كلمة العرب في أنحاء الدولة، وتجاه الأمم التي دحروها حينا من الزمن من غير أن يقوضوا أركانها، وقد استقل البربر بعيد استقلال الأندلس، وقد أخذ الترك يقبضون بدسائسهم على السلطة التي سينالونها كاملة بسلاحهم ذات يوم.
ولم تخب شعلة الخلفاء العباسيين إلا في القرن العاشر من الميلاد، ولكن الخلافة العباسية كانت قد خسرت سلطانها منذ زمن طويل حينما غابت عن التاريخ.
لم يكن الترك الذين جيء بهم إلى بغداد من غير الأسرى أو الموالي الذين أعجبت الخلفاء قدودهم ففوض الخلفاء إليهم أمر حراستهم، ولم يلبث هؤلاء الموالي أن صنعوا كما صنع المماليك بمصر، فانفردوا بالأمر غير تاركين لسادتهم الخلفاء سوى سلطة اسمية.
ولم يقدر الخلفاء على مقاومة جميع المطامع التي كانت تحيق بهم، فانقسمت دولتهم إلى إمارات مستقلة، فلما توارى آخر العباسيين عادت بغداد لا تستطيع الادعاء بلقب آخر غير كونها الملجأ الأول لعلوم الشرق وآدابه.
شكل 2-3: منظر في بغداد بالقرب من مسجد أحمد كهيا (من تصوير فلاندان).
والمغول هم الذين قضوا على الخلافة العباسية، والمغول جيل من الآدميين البدويين يؤلف مع الترك عروقا مختلفة نعد منها أجلاف هضبة آسية الوسطى الواسعة التي تحدها الجبال الفاصلة لها عن سيبرية من الشمال، والتي تحدها الصين والتبت وبحر قزوين من الجنوب، ويرى علماء وصف الإنسان ولا سيما صديقي العالم الأستاذ دالي، أن الترك والمغول والمماليك، وأهل التبت على ما يحتمل، من أصل واحد يدعى الأرومة المغولية، وظاهرة هذه الأرومة هي هيئة وجوهها الخاصة وجلودها المصفرة الكامدة وشعورها المسندرة
Página desconocida