آمنة بنت وهب قبضه جده عبد المطلب وضمه إليه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده، وقال قوم لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم الذي في المقام منه، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به، وقال عبد المطلب لأم أيمن وكانت تحضن رسول الله: لا تغفلي عن ابني؛ فإني وجدته مع غلمان قريبا من السدرة،
10
وإن أهل الكتاب ليزعمون أن ابني نبي هذه الأمة، وفي السنة السابعة من مولده خرج عبد المطلب لتهنئة سيف بن ذي يزن في أرض اليمن، فأنبأه بنبيء يبعث من عقبه ورسول من فرعه اسمه محمد وأحمد، وحذره من أعدائه، فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله وحياطته، ومات عبد المطلب وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل غير ذلك، وكان عمر رسول الله ثمان سنين، فلما توفي عبد المطلب ضمه أبو طالب، وكان أبو طالب فقيرا لا مال له، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله شبعوا، فكان إذا أراد أن يغديهم أو يعشيهم قال: كما أنتم حتى يحضر ابني، فيأتي رسول الله فيأكل معهم فيفضل من طعامهم، وفي السنة التاسعة من عمره خرج أبو طالب برسول الله إلى بصرى من أرض الشام، وفي سنة عشر من مولده كان الفجار الأول، وإنما سمي الفجار؛ لما استحلوا فيه من المحارم، ومن حملهم السلاح في الأشهر الحرام، وكان الحرب فيه ثلاثة أيام، ولما صار له اثنتا عشرة سنة وشهران ارتحل به أبو طالب إلى الشام، فنزلوا بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له: بحيرا في صومعة وكان ذا علم في النصرانية، فنزلوا منزلا قريبا من صومعته، ثم دعاهم إلى طعام فجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده، وقال لأبي طالب: ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود؛ فإن لابن أخيك شأنا عظيما، فرجع به أبو طالب بعد ما فرغوا من تجارتهم، وما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه.
وفي سنة أربع عشرة من مولده كان حرب الفجار الثاني، وكان بين هوازن وقريش، وحضره رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وقال: «كنت أنبل
11
على أعمامي.»
وفي سنة خمس عشرة من مولده كان قيام قس بن ساعدة الإيادي بسوق عكاظ خطيبا، فلما وفد إياد على رسول الله قال لهم: ما فعل قس بن ساعدة؟ قالوا: مات، قال: كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل أروق
12
يتكلم بكلام له حلاوة وما أجدني أحفظه، فقال رجل من القوم: أنا أحفظه، سمعته يقول: أيها الناس، احفظوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، وسماء ذات أبراج، وبحار تزخر، ونجوم تزهر، وضوء وظلام، وبر وآثام، ومطعم ومشرب، وملبس ومركب، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا؟ وآل قس ما على وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلكم زمانه وأدرككم أمانه، فطوبى لمن أدركه فاتبعه، وويل لمن خالفه، ثم أنشأ يقول شعرا، فقال النبي
Página desconocida