كان صابر عبد المعين في المدرسة الثانوية موشكا أن ينال شهادة البكالوريا، وكانت وداد قد تركت المدارس وبقيت في البيت.
وحين نال صابر البكالوريا خفقت بقلب وداد رعشات الأمل، وتماوجت بين جوانحها ألوان من الفرح شتى تنتمي - وإن كثرت أشكالها - لأب فرد هو الحب.
وذهب مفيد الرحماني ليهنئ ابن أخته بالشهادة التي نالها، وذهبت في رفقته زوجته ألفت وابنتهما وداد.
واجتمعت الأسرة في بيت عبد المعين حماد تظلهم من السعادة سحابة حبيبة؛ فقد كان ذلك العهد يعيش في وفرة من المودة والصفاء الذي لا يعرف الحقد أو الحسد أو البغضاء.
وكان ابن الأخت ابنا لخاله أيضا، وابن الأخ ابنا لعمه، وابنا لكل من في عمر الأب من الأقارب أو ممن ينتسب إلى الأسرة بآصرة نسب أو وشيجة صداقة.
وقال عبد المعين: يا مفيد، قل يا رحمن يا كريم.
وقال مفيد وقد أدرك بحاسته إلى أين سيذهب الحديث: سبحانه جل شأنه! - أنت تعرف أننا ناس من الفلاحين، من الأرض نعيش وعليها بعد الله اعتمادنا.
وقال مفيد محاولا التسلل إلى جدية الحديث بشيء من الندى: كأني أعرفك اليوم، لقد تزوجت أختي من عشرين سنة وأعرف تماما كيف تعيش.
وقال عبد المعين مستجيبا لمحاولة مفيد: بل إنك تعرف عني ما لا أعرف، والبركة في أختك التي لا يبل في لسانها فولة. المهم ... - تعال إلى المهم. - المهم أن صابر لن يدخل المدارس العالية، أنا أحتاج إليه في الأرض، وأنا أريد وداد لصابر.
وامتقع وجه وداد من الفرح، وطغت السعادة على وجه ألفت، وقال مفيد بعد هنيهة صمت كان لا بد منها: ابني يخطب ابنتي، وأنت كبير عائلتنا ولك أن تتصرف فيها كيف تشاء. - يعني موافق؟ - كلامك يا عبد المعين أمر في كل بيتي، فكيف إذا كان في موضوع يسعدني كما يسعدك؟
Página desconocida