ومسألة الفطرة البشرية، وهل الشر أصيل في النفوس أو دخيل عليها مسألة تطاحنت فيها العقول واختلفت، ولم نر فيصلا تطمئن إليه القلوب في هذا الاختلاف.
ولكن الغزالي يلبس تلك الفكرة ثوب الدين؛ فيرى أن الميل إلى الحكمة وحب الله وعبادته أمر رباني في القلوب أصيل لا دخيل، وإنما فاسد الأخلاق هو الذي يميل بالنفس إلى الهوى ومجانبة الحق وارتكاب الشر.
والغزالي بذلك يعلي من شأن الروح البشري، ويعلي من شأن الفطرة الأولى، ويعلي مكانة الإنسان عند ربه، حتى إنه يخلقه مهيأ للخير مجلوبا عليه،
فطرة الله التي فطر الناس عليها .
الخلق والتخلق
والغزالي يرى أن تربية الخلق الفاضل تكون بالتخلق؛ أي حمل النفس على الأعمال الصالحة الطيبة، ومن هنا نشأ اهتمام الغزالي بالرياضة الروحية وتقديره إياها وإيمانه بضرورتها، ويقرر أن كسب الخلق بسبب التخلق من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح، ويعلل ذلك بقوله: «كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح، حتى لا تتحرك إلا على وفقها، وكل فعل يجري على الجوارح يرتفع منها أثر إلى القلب، والدليل على ذلك أن من أراد أن يصير الحذق في الكتابة صفة نفسية له، فلا طريق له إلا أن يتعاطى بجارحة اليد ما يتعاطاه الكاتب الحاذق، ويواظب عليه مدة طويلة، يحاكي الخط الحسن، حتى يصير صفة لازمة له، بعد أن كان في الابتداء تكلفا.
وكذلك من أراد أن يكون حسن الخلق فعليه أن يحاكي ذوي الأخلاق الحسنة، حتى يصبح بالتكرار منهم.»
واجب المرشد الأخلاقي
الخلق السيئ عند الغزالي: هو مرض القلب، فإذا كان الجهل يعالج بالتعليم، ومرض البخل بالتسخي، فسوء الخلق يعالج بمجاهدة النفس.
وكما أنه لا بد من احتمال مرارة الدواء، ومشاق التعليم، فلا بد أيضا من احتمال مرارة المجاهدة، والصبر على احتمال المداومة على تلك المجاهدة.
Página desconocida