بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وتمم بالخير
قال الشيخ الإمام، سعد الإسلام، برهان الدين، ضياء الأئمة.
جمال العلماء، قطب الأفاضل، زين المفسرين ورئيس الفريقين، تاج
القراء أبو القاسم محمود بن حمزة بن نصر الكرماني - رحمه الله وبرد
مضجعه -: نبدأ بسم الله ونحمده ونعبده ونستعينه ونستهديه، ونصلي على محمد خير البرية وعلى آله ونسلم تسليما. وبعد:
فإن أكثر العلماء والمتعلمين في زماننا يرغبون في غرائب تفسير
القرآن وعجائب تأويله، ويميلون إلى المشكلات المعضلات في أقاويله.
فجمعت في كتابي هذا منها، ما أقدر أن فيه مقنعا لرغبتهم ومكتفى
Página 87
لطلبتهم، لما روي عن النبي - صلي الله عليه وسلم - أنه قال - "أعربوا
القرآن والتمسوا غرائبة، فإن الله يحب أن تعرب آي القرآن "، ولما ذكر
ابن عباس - رضي الله عنه -: أن هذا القرآن ذو شجون وفنون
وظهور وبطون، لا تنقضي عجائبه، فمن أوغل فيه برفق نجا.
ومن أوغل فيه بعنف هوى".
وأوجزت ألفاظه من غير إطناب، فإن مجتنى كنوز العلم في
اختياره وحسن جمعه واختصاره.
ولم أشتغل بذكر الآيات الظاهرة والوجوه المعروفة المتظاهرة.
ولا بذكر الأسباب والنزول والقصص والفصول.
فإني قد أودعت جميع ذلك في كتابي الموسوم ب " لباب التفاسير".
من غير إفراط مني فيه ولا تقصير.
مستعينا بالله ومعتمدا عليه إنه ولي الإعانة والتوفيق.
Página 88
سورة الفاتحة
من غريب ما ذكر فيه
، أن أصله [بسم - بثلاث كسرات - كسرة الباء.
وهي] مختصة به، لأنه تجرد لعمل الجر، فجعل من عمله عليه علامة.
وكسرة السين، وهي على لغة من قال: سم - بكسر السين -، وأنشد:
بسم الذي في كل سورة: سمه.
وكسرة الميم، وهي إنجراره بالباء، فسكن السين، لتوالي
الكسرات، وهو مما رفض من كلامهم، حتى لم يأت في الأصول كسرتان
متواليتان، إلا في قولهم " إبل " و " إطل " و " امراة بلز " أي عجوز، و "أتان"
Página 89
"إبد"، أي تلد كل عام.
وقال بعضهم بسم - بضم بين كسرتين -.
والضم فيه لغة، وأنشد البيت بالوجهين، ثم سكن السين، إذ ليس في
كلامهم خروج من كسر إلى ضم بناء لازما. وهذان القولان أشد موافقة
للإمام، لأنه فيه بغير ألف.
وفي الاسم لغات، اسم، واسم - بالضم -، وسم - بالكسر -.
وسم - بالضم -، وسمى مثل هدى، واشتقاقه من السمو، لأن الاسم
يسمو مسماه، ويعلوه، وأصله سمو كقنو وحنو، نقل الإعراب من اللام
إلى العين، وحذف اللام، ونقل سكون العين إلى الفاء على غير قياس.
فتعذر الابتداء به، لسكونه، فزيد في أوله ألف الوصل توصلا إلى النطق به.
وليكون جبرا له من حذف لامه، وإذا جمع رد إلى الأصل، وكذلك في
التصغير، تقول في الجمع: أسماء كأقناء وأحناء، وفي التصغير، سمي كقني
وحني.
وذهب الكوفيون إلى: أن اشتقاقه من السمة، وأصله وسم،
Página 90
والاسم سمة للمسمى وعلامة له، ثم حذف فاؤه وزيد في أوله ألف الوصل.
وذهب بعض منهم إلى: أن الواو قلب همزة كإعاء وإشاح، ثم كثر
استعماله، فجعل ألف وصل، والجمع والتصغير، والفعل سمي تسمية.
وعدم النظير يدل على بطلان قولهم.
وعند الجمهور: أصل بسم باسم، كما في قوله: (اقرأ باسم
ربك " و " فسح باسم ربك"، و " بئس الاسم الفسوق)
لكن الألف حذف من الخط لعلتين، إحداهما: كونه ألف وصل.
والثانية كثرة الاستعمال، ولم توجد إحدى العلتين في باسم ربك و " بئس
الاسم " فلم تحذف. وهاتان العلتان غير كافيتين، لأنهما وجدتا في ألف الله
من "بسم الله " ولم تحذف، وإنما يتم إذا أضيفت إليهما علة أخرى. -
فقلت: ولاتصال الباء ب " اسم " وامتزاجه به، بحيث لا يمكن فصله
عنه، بخلاف اتصال بسم بالله، فإنه يمكن فصله عنه والوقف عليه في
الإملاء والاستملاء.
ووزن اسم عند البصريين على اللفظ إفع، ووزن "سم " فع "
ووزنه عند الكوفيين "إعل " أو " فعل "، على من جعل الهمزة بدلا من
Página 91
الواو. ومحل "بسم الله " من الإعراب رفع عند البصريين، وتقديره:
ابتدائي بسم الله، فحذف المبتدأ، وعند الكوفيين نصب بإضمار فعل هو خبر
أو أمر، نحو: أبدأ بسم الله أو أبدأ بسم الله.
العجيب: " بسم الله " قسم في أول كل سورة.
وأجاز الأخفش والكسائي حذف الألف من (اقرأ باسم
ربك، و " فسبح باسم ربك " و (بئس الاسم) .
وخالفا في ذلك جميع القراء - والله أعلم -.
ومن عجيب ما ذكر فيه: قول سليمان بن يسار: الباء: بريء من
الأولاد، والسين: سميع الأصوات، والميم: مجيب الدعوات. وقول سهل
بن عبد الله التستري: الباء: بهاء الله، والسين: ثناء الله، والميم:
Página 92
مجده. وقول أبي بكر الوراق: الباء من بسم الله على ستة أوجه: بارىء
خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه هو الله الخالق البارىء، ثم أخذ يعد
الوجوه، قال: والسين على خمسة أوجه:
والميم على اثني عشر وجها. وعد
الوجوه. وهذه وأمثالها يجب الاستغفار منها، لأن هذا ربما يسوغ في المقطعة
من الحروف، وأما ما ألفت وجعل اسما، وأفعالا وأدوات فلا يسوغ فيها
هذا بوجه من الوجوه.
وحكى الفراء عن الكسائي: أن العرب تقول: اسم - بكسر
الألف -، وأسم - بضمها -، فإذا طرحوا الألف، قال الذين لغتهم كسر
الألف: سم - بالكسر -، وقال الذين لغتهم ضم الألف: سم - بالضم -، وقال بعضهم: هو أمر من سما يسمو، جعل اسما. وذهب أبو عبيدة إلى: أن الاسم زيادة، زيد للفرق بين اليمين والتيمن. وأنشد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما. . . ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
أي ثم السلام عليكم. وقال بعضهم: السلام في البيت هو الله، فلا
يكون الاسم زيادة.
Página 93
ومن غريب ما ذكر في لفظ الله عز اسمه: أن أصله لاها
بالسريانية، حذف الألف من آخره وزيد الألف واللام في أوله. وقريب منه
عند النحاة قول من قال: إلى أنه اسم علم غير مشتق.
ومن عجيب ما ذكر فيه، ما حكاه أبو القاسم بن حبيب في تفسيره
عن جماعة: أن أصل الله، هاء الكنابة، وذلك أنهم أشاروا إليه بما وضع
في نفوسهم من دلائل الفطرة، إذ لم يعلموا له اسما موضوعا، ثم أدخلوا
على الكناية لام الملك، فصار له يعنون له الخلق والأمر، ثم مدوا بها
أصواتهم تعظيما وتفخيما، فقالوا: لاه، ثم وصلوا بلام المعرفة فصار الله.
واعتماد المحققين على قول سيبويه: أحدهما: أن أصله إله.
والثاني: أن أصله ل ي ه "ليه" وقوله - سبحانه -: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) يشهد للقول الأول، وقراءة من قرأ - وإن كانت شاذة - تشهد للقول الثاني، وهي: "في السماء لاه وفي الأرض لاه ". وما حكاه أبو زيد: الحمد لاه رب العالمين، يحتمل الوجهين، لأن أصله لله
Página 94
حذف الجار اكتفاء بدليل عمله عليه، وهو الجر، وحذف لام التعريف.
لأن حذف التنوين يدل عليه، وبقى لاه، يجوز أن يكون من القول الأول بعد حذف الهمزة، ويجوز أن يكون من الثاني.
ويختص اسم الله تعالى بأشياء لا يشاركه فيها غيره من أسماء الله
سبحانه، ولا من سائر الأسماء، أحدها: أن ينادى ب " يا "، والاسم إذا كان فيه الألف واللام ينادى بيا " أيها ". والثاني: قطع ألفه في باب النداء أيضا، نحو: يا ألله بقطع الألف.
والثالث: زيادة الميم المشددة في آخر - اللهم -
عوضا عن ياء النداء، وقد تحذف الألف واللام مع الميم، قال الشاعر:
لا هم إن عامر بن الجهم
والرابع: إدخال التاء عليه في القسم، نحو: تالله، ولا يجوز
تالرحمن ولا غيره.
الخامس: أن يبقى بعد حذف الجار مجرورا، وذلك
في القسم أيضا تقول: الله ما فعلت كذا. والسادس: تفخيم اللام إذا
انفتح ما قبله أو انضم، نحو: إن الله، ويضرب الله، ومن القراء من يفخمه
من الكسرة أيضا، وفد ذكرت هذا مشروحا في شرح كتاب الغاية"، ولا
يجوز تفخحم اللام في شيء سوى الله إلا شاذا، وقول من قال أصله ولاه.
غير مرضي عند النحاة، لأنه لا دليل لقائله عليه.
ومن غريب ما ذكر في الرحمن الرحيم قول ثعلب، قال: الرحمن
Página 95
اسم عجمي، ولهذا أنكرته العرب على ما جاء في القرآن من قوله: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) .
قال: وهو بالسربانية الرخمن - بخاء معجمة وأنشد:
أو تتركون إلى القسس هجرتكم. . . ومسحكم صلب الرخمن قربانا
الحسن: الله والرحمن اسمان ممنوعان لا يجوز لأحد من الخلق أن
ينتحلهما، وهذا إجماع.
قال الكسائي: الرحمن كان معروفا عند العرب.
وأنشد بيتا جاهليا:
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها. . . ألا قطع الرحمن منها يمينها
وكانوا يسمون مسيلمة الكذاب رحمان اليمامة. قال شاعرهم:
سموت في المجد يا ابن الأكرمين أبا. . . وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
ومسيلمة تسمى بهذا الاسم جهلا منه - لعنه الله -.
ومن غريب ما جاء في - الحمد: أنه مقلوب "المدح، والفرق بينهما: أن
المدح يقع على صفات الذات وصفات الفعل، والحمد يختص بصفات
الفعل، وقيل: الحمد والشكر واحد، والفرق بينهما: أن الله سبحانه يحمد
ذاته، ولا يشكر، لأن الشكر يستدعي سابقة إحسان.
Página 96
والألف واللام في الحمد للجنس، وقيل: للعهد، وقيل: للتفخيم
والتعظيم، و "الحمد " رفع بالابتداء، والله خبره عند الجمهور. وحكى
ابن حبيب قولا غريبا، فقال: (الحمد) جواب الباء في قوله بسم الله " لأن
هذا الباء يقتضي خبرا فكأنه قال بسم الله الحمد لله، فعلى هذا القول
" الحمد " رفعا بالابتداء و "بسم الله " خبره تقدم عليه، و"لله" حال من الحمد.
وجل المفسرين على أن القول في الكلام مضمر تقديره، قولوا: الحمد لله.
فتكون الجملة في محل نصب.
"رب العالمين ".
"الرب" من التربية، والتربية تبليغ الشيء إلى كماله على التدريج. وفي
الفعل منه أقوال، أحدهما: رب الشيء يربه فهو راب، والشيء
مربوب. والثاني: رباه تربية، قال (ألم نربك)
والثالث: رببه تربيبا.
وهذا أصله ربي، قلب الثالث من الباءات، ياء، والرابع: وهو غرب ربت
تربيتا، قال:
سميتها إذ ولدت تموت. . . والقبر صهر ضامن زميت.
ليس لمن ضمنة تربيت
وليس هذا من تركيب الرب، إنما هو من تركيب "ربت"، ولعل هذا
القائل، إنما ذهب إلى هذا، لأنه لم بجد على ترتيب ربت غير هذا، وله
Página 97
وجيه، وهو أن يقال: قلب الباء، ياء - كما ذكرت - ثم قلب الياء تاء.
و (العالمين) جمع عالم، والعالم، اسم لأشياء مختلفة لا واحد له من
لفظه، واختلفوا في المعني بهم في الآية فذهب الحسين بن الفضل:
إلى أنهم الناس لقوله: (أتأتون الذكران من العالمين (165) .
عطية العوفي: الجن والإنس، لقوله: (ليكون للعالمين نذيرا) .
وقيل: الملائكة والإنس والجن، لأن اشتقاقه من العلم، والموصوفين بالعلم
هم هؤلاء الثلاثة. وقيل: كل ذي روح، لأن لفظ الرب المنبىء عن
التربية يدل عليه، وقيل: جميع الخلق، لقوله (رب كل شيء) ، وقيل:
أهل كل زمان، لقوله: (وفضلناهم على العالمين) وجل المفسرين
على أن العالمين لا يحصى ولا يعرف عددهم، لقوله: (وما يعلم جنود ربك إلا هو) .
مقاتل بن سليمان: لو فسرت العالمين لاحتجت إلى ألف
Página 98
جلد، كل جلد ألف ورقة. وذهب بعضهم إلى جواز ذلك. أبي بن
كعب: العالمون: هم الملائكة، وهم ثمانية عشر ألف ملك، أربعة آلاف
وخمسمائة بالمشرق، ومثله بالمغرب، وكذلك بالكتف الثالث والرابع. مع
كل من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلا الله، ومن ورائهم أرض بيضاء
كالرخام، عرضها مسيرة الشمس أربعين يوما، وطولها لا يعلمها إلا الله.
مملؤة ملائكة، يقال لهم: الروحانيون، ولهم زجل بالتسبيح والتهليل، لو
كشف عن صوت أحدهم هلك أهل الأرض من هول صوته، فهم العالمون
ومنتهاهم إلى حملة العرش.
وهب: لله ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا عالم
منها، وما العمران في الخراب إلا كفسطاط في الصحراء. عطاء بن أبي
رباح: العالمون عشرة أصناف، الملائكة وآدم وذريته وإبليس وذريته.
والجان وذريته، والبهائم والوحوش والسباع والطيور والهوام ودواب البحر.
وأبو هريرة أطنب في ذكر العالمين، ثم قال: ومنهم مائة جزء في بلاد
الهند فيهم ساطوح، رؤوسهم مثل رؤس الكلاب، ومالوخ وهم أناس أعينهم على صدورهم، وماسوخ، وهم أناس آذانهم كآذان الفيلة، ومالوق، وهم أناس لا تطاوعهم أرجلهم يسمون ذوال ياي، ويصير كلهم إلى النار.
الضحاك: رأى ذو القرنين أمتين، بينهما طول الأرض كلها، أمة عند
مغرب الشمس، يقال لها: ناسك، وأمة عند مطلعها، يقال لها: منسك.
وأمتين بينهما عرض الأرض، أمة في الأيمن، يقال لها: هاويل، وأمة في
Página 99
الأيسر، يقال لها: تاويل، قال وهب: اسمهما: ناريس وماريس، وأمما وسط الأرض، منهم الجن والإنس، ويأجوج ومأجوج.
قال الفراء: العالمين في الرفع والنصب والجر بالياء. ذكره في كتاب
لغات القرآن " له.
النقاش: العرب تقول فى الأحوال الثلاث: العالمين
- بالياء - إلا قوما من بني كنانة، وقوما من بني أسد، فإنهم يقولون في الرفع: العالمون.
(الرحمن الرحيم) .
تكرار فيمن جعل "بسم الله الرحمن الرحيم من السورة. وفي تكراره
قولان: أحدهما: تأكيد، وأنشد علي بن عيسى:
هلا سألت جموع ك. . . ندة يوم ولوا أين أينا
فقال: كرر "أين للتأكيد. والثاني: ما قاله ابن حبيب: أي وجب
الحمد لله، لأنه الرحمن الرحيم. قلت: إنما كرر لأن الرحمة هي الإنعام
على المحتاج، ولم يكن في الآية الأولى ذكر المنعم عليهم، فأعادها مع
ذكرهم، فقال: رب العالمين الرحمن لهم يرزقهم، الرحيم بالمؤمنين يوم
الدين.
قال النقاش: زعم قوم أن فيها تقديما وتأخيرا، تقديره: الحمد لله
الرحمن الرحيم رب العالمين، ثم قال: هذا تعسف شديد ما قاله أحد من
Página 100
المتقدمين. قلت: أراد هؤلاء القوم بالتقديم تقديم "الرحمن" فحسب.
لأنه يشبه الأعلام، والعلم بالتقديم أولى، وقدم الله على الرحمن لأنه ليس
فيه شائبة وصف، وكأن معنى العلمية فيه أظهر.
(مالك يوم الدين (4) .
الأظهر فيه أنه نكرة، فلا يجري وصفا على ما قبله، لأن إضافة اسم
الفاعل إلى المعرفة، إذا كان بمعنى الحال والاستقبال لا يفيد تعريفا، ولهذا
قرىء مالك - بالتنوين -، "يوما - بالنصب -، كما قرىء (موهن
كيد) ، و (بالغ أمره) ، وجاز وصف النكرة به، كقوله: "هديا بالغ
الكعبة) ، "عارض ممطرنا)
وله وجهان: أحدهما، أن أكثر ألفاظ القيامة جاء بلفظ الماضي تحقيقا، فكان هذا أيضا محمولا على معنى المضي، فأفاد التعريف، والثاني: أنه مجرور بالبدل، والبدل يجري بين الأسماء على اختلاف أحوالها.
واليوم: عبارة عن امتداد الضياء العام، واليوم من أيام الدنيا: عبارة عن
وقت طلوع الفجر الثاني إلى وقت غروب الشمس. والعرب تقول: ليلة
ليلاء، ويوم يمن وتقول لليوم الشديد: يوم ذو أيام، ويوم ذو أيائيم.
Página 101
(إياك نعبد) .
في تقديم " إياك " قولان: أحدهما: تعظيما لله - سبحانه - والثاني:
قطعا لمجال العطف، فإنك إذا قلت: أضربك، أمكنك أن نقول: وزيدا.
وليس كذلك إذا قدمت فقلت: إياك أضرب.
و (وإياك نستعين) ، وكرر "إياك"، لأن كل واحد منهما متصل بفعل
يقتضيه، ولم يقتصر على أحدهما اقتصاره عليه في قوله : (ألم يجدك يتيما
فآوى، ووجدك ضالا فهدى) ، لأنه إذا حذف لم يدل على التقديم، وفي
تأخير (وإياك نستعين) ، وحقه التقديم، أربعة أقوال: أحدها: أن الواو للجمع لا للترتيب، والثاني: حقه التقديم وأخر للفاصلة، فإن الآي فواصل تجري مجرى القوافي للشعر، والثالث: تقديره إياك نعبد وإياك نستعين على عبادة أخرى نستأنفها.
الرابع: نستعين على الهداية، وهي الثبات عليه. وفي محل
الكاف " من إياك " ثلاثة أقوال: أحدها: لا محل له من الإعراب، وهو
مذهب الأخفش، قال: إن "إيا" اسم مبهم يكنى به عن المنصوب، حولت
الكاف والهاء والياء والواو والنون بيانا عن المقصود ليعلم المخاطب من
الغائب ولا موضع لها من الإعراب، كالكاف فى ذلك وأرأيتك. والثاني:
محله يخفض بالإضافة، وهو مذهب الخليل والمبرد والزجاج.
قال الخليل: "إيا" اسم مضمر أضيف إلى الكاف، وهو شاذ لا يعلم اسم مضمر أضيف غيره.
وقال المبرد: "إيا" اسم بهم أضيف للتخصيص، ولا يعلم
Página 102
اسم مبهم أضيف غيره. وقال الزجاج: "إيا" اسم للمضمر
المنصوب، إلا أنه ظاهر يضاف إلى سائر المضمرات، نحو إياك ضربت.
وموضع الكاف خفض بإضافة "إيا" إليها. والثالث: محله نصب وهو
مذهب ابن كيسان، قال: إن الكاف هو الاسم وإيا أتي بها ليعتمد
الكاف عليها، إذ لا تقوم بنفسها، وللكوفيين قول رابع: وهو "إياك" بكماله اسم مضمر، وقالوا لا يعرف بتغير آخره فنقول فيه إياه وإياها وإياكم غير هذا.
واختار أبو علي قول الأخفش وزيف ما سواه.
(اهدنا الصراط) .
كرر ذكر "الصراط لأن الصراط هو المكان المهيأ للسلوك، ولم يكن
مع الأول ذكر للسالكبن، فأعاده مع ذكرهم، فقال: (صراط الذين أنعمت
عليهم) ، أي من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، كما كرره في
قوله "صراط مستقيم (52) صراط الله) .
لأنه لم يكن مع الأول ذكر المهىء، فكرره، فقال: صراط الله، أي الصراط الذي هيأه الله للسالكين.
(غير المغضوب عليهم) .
قال أبو علي: هو مجرور بكونه وصفا للذين أنعمت عليهم، لأن
Página 103
حكم كل مضاف إلى معرفة أن يصير معرفة، وإنما تنكر "غير" و "مثل" مع
إضافتهما إلى المعارف، من أجل معناهما، وهو الشياع والعموم، لأنك إذا
قلت: جاءني غيرك، فكل شيء سوى المخاطب غيره، فأما إذا كان
الشيء معرفة وله ضد واحد، ثم أضفت إلى ذلك الضد كان معرفة لا
محالة، نحو عليك بالحركة غير السكون، والمنعم عليهم ضدهم المغضوب
عليهم فغير المغضوب عليهم معرفة.
وذهب غيره، إلى أنه مجرور بالبدل، وقال بعضهم: لماكان الذين أنعمت عليهم لم يقصد بهم قصد أشخاص بأعيانهم قرب من النكرة , (غير المغضوب عليهم) وإن كان نكرة قريب من المعرفة للإضافة إلى المعرفة فتوافقا.
(ولا الضالين) .
قال الكوفيون: "لا" بمعنى غير، وتقديره، غير المغضوب عليهم
وغير الضالين. وقال البصريون، "لا" زائدة، زيدت لتضمن غير معنى
النفي، ولهذا جاز أنا زيدا غير ضارب، ولم يجز أنا زيدا مثل ضارب.
والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، لأن ذلك محمول على
المعنى، تقديره: أنا زيدا لست بضارب.
وفي الفائدة في زيادة "لا" ثلاثة أقوال:
أحدها، ليعلم قطعا أنه معطوف على المغضوب عليهم، لا على
الذين أنعمت عليهم، لأن اللفظ يحمل ذلك، وإن كان المعنى يأباه، ألا
ترى أنك إذا قلت مررت بالقوم غير زيد والأمير، جاز أن يكون الأمير مجرورا بالعطف على زيد، وجاز أن يكون معطوفا على القوم. والثاني: لزوال توهم أنه وصف للمغضوب عليهم، لأن العرب قد تعطف النعت بالواو تقول: مررت بزيد الفقيه والأديب والشاعر.
قال:
Página 104
إلى الملك القرم وابن الهمام. . . وليث الكتيبة في المزدحم
والثالث: أفاد إفادة نفيهما مجموعين ومتفرقين.
والمراد ب "المغضوب عليهم"، اليهود، و "الضالين" النصارى، وقيل:
"المغضوب عليهم" اليهود والنصارى، وكان الله أنعم عليهم، ثم غضب
عليهم لما كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والضالين سائر الكفرة، وقيل: المغضوب عليهم، اليهود والنصارى وسائر الكفرة، والضالين، أهل البدع.
"آمين"
المعروف فيه المد والقصر.
والغريب: ما أجازه بعضهم من التشديد بمعنى قاصدين، وتقديره:
ندعوك قاصدين بابك، راجين رحمتك، وقيل: نعبدك ونستعينك، قاصدين.
وفيه بعد وخلاف الجمهور - والله أعلم -.
Página 105
سورة البقرة
مدنية، وهي فسطاط القرآن، وفيها خمسة عشر مثلا، وخمسمائة حكم، وفيها آية الدين، وهي أطول آية في القرآن، كلماتها مائة وثلاثون، مشتملة على أربعة عشر حكما، وفيها آخر آية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) ، وعاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزولها سبعة أيام.
بسم الله الرحمن الرجم
(الم) .
افتتاحها بالحروف، ومثلها معها تسع وعشرون سورة، ثلاث منها
حروفها موحدة، ص - ق - ن، وتسع مثناة، طه - طس - يس - حم،
Página 107