315

إنكارا عليهم أن يفتحوا عليهم شيئا في كتابهم فينافقون المؤمنين وينافقون اليهود ( ليحاجوكم به عند ربكم ) ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه. جعلوا محاجتهم به وقولهم «هو في كتابكم هكذا» محاجة عند الله. ألا تراك تقول : هو في كتاب الله كذا وهو عند الله كذا بمعنى واحد؟ وعن الحسن : ليحاجوكم في ربكم لأن المحاجة فيما ألزم تعالى من اتباع الرسل محاجة فيه أي دينه. وقال الأصم : يحاجوكم يوم القيامة عند المساءلة فيكون زيادة في توبيخكم ، فكان القوم يعتقدون أن ذلك مما يزيد في فضيحتهم في الآخرة. وقيل : ليحاجوكم به على وجه الديانة والنصيحة ، لأن من يذكر الحجة على هذا الوجه قد يقول لصاحبه : أزحت علتك عند الله وأقمت عليك الحجة بيني وبين ربي ، فإن قبلت أحسنت إلى نفسك ، وإن جحدت كنت الخاسر الخائب. وقيل : لتصيروا محجوجين بتلك الدلائل في حكم الله كما يقال : فلان عندي عالم أي في اعتقادي وحكمي. وهذا عند الشافعي كذا ، وعند أبي حنيفة كذا ( أفلا تعقلون ) أن ذلك لا يليق بما أنتم عليه فإنكم إذا حدثتموهم بالذي يحاجونكم به رجع وباله عليكم ( أولا يعلمون أن الله يعلم ) جميع ( ما يسرون وما يعلنون ) ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان ، خوفهم الله تعالى بذلك لأنهم كانوا يعرفون أن الله يعلم السر والعلانية ( ومنهم أميون ) لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها كأنه منسوب إلى الأم وهو أصل الشيء ، فالأمي على أصل فطرته لم يكتسب علما وكتابة ( لا يعلمون الكتاب ) التوراة ( إلا أماني ) وأحدها أمنية على أفعولة من مني إذا قدر. تقول : منه تمنيت الشيء ومنيته غيري تمنية ، لأن المتمني يقدر في نفسه ويجوز ما يتمناه ، وأماني اليهود هي أن الله يعفو عنهم ويرحمهم ولا يؤاخذهم بخطاياهم ، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، وما يمنيهم الأحبار من أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة. وقيل : الأماني الأكاذيب المختلفة التي سمعوها من علمائهم فقبلوها على التقليد. يقال : أهذا شيء رويته أم تمنيته أم اختلقته؟ وذلك أن المختلق يقدر أن كلمة كذا بعد كذا. وفي الصحاح أنه مقلوب المين وهو الكذب. وقيل : إلا ما يقرأون من قولهم «تمنيت الكتاب قرأته» قال الشاعر يرثي عثمان :

تمنى كتاب الله أول ليلة

وآخرها لا في حمام المقادر

والقارئ مقدر الكلمات كالمختلق ، وعلى هذا يكون الاستثناء متصلا كأنه قيل : لا يعلمون الكتاب إلا بقدر ما يتلى عليهم فيسمعونه ، وبقدر ما يذكر لهم فيقبلونه. ثم إنهم لا يتمكنون من التدبر والتأمل ، وعلى الأول يكون استثناء منقطعا. ومن قرأ ( أماني )

Página 317