Maravillas del Corán y Deseos del Furqan
غرائب القرآن و رغائب الفرقان
قلبه بمعرفة الربوبية ثم بمعرفة العبودية ، لأنه إنما خلق لرعاية هذا العهد ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [الذاريات : 56] ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) [البقرة : 40] فلا جرم أنزل الله تعالى هذه السورة جامعة لكل ما يحتاج إليه العبد في الوفاء بذلك العهد وقوله «إذا قال العبد : بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله ذكرني عبدي» مناسب لقوله تعالى ( فاذكروني أذكركم ) (1) «أنا جليس من ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه» والذكر مقام عال شريف ذكره الله تعالى في القرآن كثيرا ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ) [الأحزاب : 41] ( واذكر ربك في نفسك ) [الأعراف : 205] ( تذكروا فإذا هم مبصرون ) [الأعراف : 201] ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) [آل عمران : 191] ولهذا وقع الابتداء به. وقوله «ذكرني عبدي» دل على أن ذاته المخصوصة صارت مذكورة بقوله «بسم الله الرحمن الرحيم» وهذا يدل على أن الله اسم علم. وقوله «إذا قال : الله رب العالمين يقول الله : حمدني عبدي» يدل على أن مقام الحمد أعلى من مقام الذكر لأنه أو كلام في أول خلق العالم حيث قالت الملائكة : ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) [البقرة : 30] وآخر كلام في الجنة ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [يونس : 10] ولأن الفكر في ذات الله تعالى غير ممكن «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله» وكل من تفكر في مخلوقاته ومصنوعاته كان وقوفه على رحمته وفضله وإحسانه أكثر فيحمد الله تعالى أكثر ، فقوله «حمدني عبدي» شهادة من الله تعالى على وقوف العبد بعقله وفكره على وجوه فضله وإنعامه في ترتيب العالم وتربية العالمين ، وأنه أقر بقلبه ولسانه بكرمه وإحسانه. قوله «وإذا قال : الرحمن الرحيم» «يقول الله : عظمني عبدي» يدل ذلك على أن الإله الكامل المكمل المنزه عن الشريك والنظير والمثل والند والضد ، هو في غاية الرحمة والفضل والكرم مع عباده. ولا شك أن غاية ما يصل العقل والفهم والوهم إليه من تصور معنى الكمال والجلال ليس إلا هذا المقام وهو التعظيم لله. وقوله «وإذا قال : مالك يوم الدين يقول الله : مجدني عبدي» أي نزهني وقدسني عن الظلم وعن شبهة الظلم حيث قضيت معادا يحشر إليه العباد ويقضي فيه بين الظالم والمظلوم والقوي والضعيف.
أيحسب الظالم في ظلمه
أهمله القادر أم أمهلا
Página 117