وقد رأى غاندي من هذه التجارب أن أفكاره بل أخلاقه كانت تتغير بتغير طعامه.
وأخيرا رضي بالتسوية بين ذهنه وشهوته، فأخذ باللبن والفواكه، واقتصد في قوته بالنوم في غرفة أخرى غير الغرفة التي تنام فيها زوجته. وبهذا النظام استطاع غاندي أن يعمل نهاره كله وبعض ليله لخدمة بلاده. فهو لا يقيل عقب الغذاء، كما نقيل، لأننا نثقل ونسترخي بعد طعام اللحم، ولكنه هو يبقى نشطا طول نهاره.
ولو أن كل رجل ممتاز في قواه الذهنية أو الأخلاقية مثل غاندي شرح للناس الطعام الذي يأكله والذي ساعده على أداء مهامه الشاقة لانتفع الناس بتجاربه، ولكن قل أن نقرأ ترجمة أحد العظماء، ونرى فيها وصفا لطعامه، كما نرى في ترجمة غاندي. ولسنا نعني أن الطعام الذي اهتدى إله غاندي يفيد جميع الناس، بل نرى خلاف ذلك، وهو أن مثل هذا الطعام قد يضر بعض الناس. ولكنا نعني أن اختيار الطعام، وخاصة عند القادة والزعماء الذين يطلب منهم مجهود كبير، يحتاج إلى عناية وتجارب حتى يهتدوا إلى ما يوافقهم منه. وطعام كل إنسان هو كالحذاء أو العمرة أو البذلة، يحتاج إلى قياس خاص بعد اعتبار الجسم من حيث مزاجه، ثم اعتبار الحرفة التي يحترفها الشخص. وقد عرف غاندي قياسه، واطمأن، ويجب على كل منا أن يعرف أيضا قياسه بعد التجارب التي يقوم بها في نفسه.
الجزء
مقالات بقلم غاندي
الفصل الحادي والعشرون
إلى الإنجليز في الهند
لا أستطيع أن أقيم البراهين على شرف غايتي إذا لم تحسوا أنتم ذلك. وبين إخواني الهنود من يتهمني بأني أضمر غير ما أظهر حين أقول لهم إنه يجب علينا ألا نكره الإنجليز وإن كنا نكره النظام الذي وضعوه لنا. فإني أحاول أن أفهمهم أننا نستطيع أن نكره الشر الذي ينزله بنا أحد الناس دون أن نكرهه هو. فقد كان المسيح يلعن شرور الكتبة والفريسيين دون أن يكرههم. وهو حين شرع الحب للناس، أو الكراهة لشرورهم، لم يكن يعني نفسه فقط، بل كان يقصد التعميم بين جميع الناس. والواقع أني أجد هذه الشريعة في جميع الكتب المقدسة في العالم.
وأنا أدعي أني على شيء من فهم الطبيعة البشرية، وأني أستطيع أن أعرف أماكن الضعف عندي. وقد وجدت أن الإنسان يفضل النظام الذي يخترعه ويسمو عليه، ولذلك أشعر أن كلا منكم يفضل النظام الذي وضعتموه جماعة. وقد كان كل واحد من الهنود في مدينة أمريتسار خيرا من الجماعة التي كان هو عضوا فيها، ولو أنه طلب إليه أن يقتل أولئك المديرين الأبرياء للبنك الإنجليزي لرفض. ولكنه نسي نفسه وهو في غمار الجماعة.
ومن هنا الفرق بين الإنجليزي، وهو في كرسي المنصب، وبينه وهو خارجه. وكذلك هناك فرق بين الإنجليزي في الهند والإنجليزي في إنجلترا. فأنتم هنا، في الهند، تنتسبون إلى نظام يتجاوز حدود الوصف في الخسة والدناءة، ولذلك يمكنني أن ألعن النظام بأشد لهجة دون أن أتهمكم أنتم بالسوء أو أن أنسب إليكم بواعث سيئة؛ لأنكم أنتم عبيد لهذا النظام كالشأن عندنا سواء. ولذلك أود منكم أن تبادلوني هذا النظر، فلا تتهموني بعواطف أو بواعث لا تجدونها فيما أكتبه. وأنا أصرح لكم بجملة هذه البواعث حين أقول إن صبري قد نفد عن هذا النظام القائم الذي يجعل الهند خاضعة لحفنة منكم، ويجعلكم تطمئنون فقط إلى المدافع والحصون التي تواجهنا في كل مكان في الهند. فإن هذه المناظر تحط من شرفكم وشرفنا معا، فنحن وأنتم نعيش ونحن نتبادل الخوف وسوء الظن. وأنتم لا بد تعرفون أن هذه الحال لا تليق بالرجال. ومثل هذا النظام لا يمكن أن يستند إلا إلى إبليس، بينما كان من الممكن أن تعيشوا في الهند كأنكم من بعض أهلها بدلا من أن تكونوا كما أنتم الآن أجانب تستغلونها. وإنه لمذهب من مذاهب اليأس المظلم ذلك الذي يقول إن حياة ألف هندي تساوي حياة إنجليزي واحد، ومع ذلك فإني أقول الصدق حين أقول لكم إن هذا المذهب صرح به سنة 1919 أعظم رجالكم.
Página desconocida