ودخل غاندي السجن في مارس سنة 1922 وخرج في يناير سنة 1924، لأن الإنجليز خجلوا من حبسه ست سنوات، لأنه يدافع عن وطنه.
الفصل الحادي عشر
التقاليد القاتلة
الأصل في التقاليد أنها عادات نشأت لمصلحة معينة ثم تقادم عليها الزمن فاشتبكت بالدين، وأصبحت لها حرمة ورعاية في النفس، فتحجرت، ولم يعد أحد يجرؤ على تنقيحها. وهي في هذا التحجر تؤذي الأمة التي تخضع لها. وذلك لأن الحياة يجب أن تكون حرة تقبل التحول والتطور ولا تجمد وتتحجر بالتقاليد.
وقد نشأت في الشرق تقاليد تهين الكرامة الإنسانية. ولا تزال الأمم الشرقية، حتى الراقية منها مثل اليابان تئن منها، فقد ذكر الأستاذ محمد ثابت في رحلته إلى اليابان كيف يتفشى البغاء في تلك البلاد وكيف يقدم رب البيت لضيفه بغيا تقضي معه ليلته. وقد كان قبل ذلك يرى من التقاليد أن يقدم زوجته.
وإذا تركنا اليابان رأينا الصين بتقاليدها الحجرية، فإن الصينيين قصروا المرأة على الخدمة في الفراش، وهم لهذا السبب لم يروا فائدة في نمو قدميها، فكان من تقاليدهم أن يربطوا قدمي الصبية الصغيرة حتى يكف نموها، وهذه الأربطة كانت تشد حول القدم فتقف حركة الدم، فتتألم الصبية، وقد تقضي الليل كله وهي لا تنام من فرط الألم، فإذا ما بلغت العشرين، وهي في هذا الوجع، فرح بها أبواها المغفلان وتباهى كلاهما بأن قدم ابنتهما لا تزيد على قدم الطفل. وهي عندما تتزوج يذكر صغر قدميها بين محاسنها، مع أنها لا تستطيع أن تنهض من فراشها ولا تنتقل من مكان إلى مكان آخر إلا وهي محمولة. وأحيانا، عندما تبلغ الثلاثين أو الأربعين، تكون الأربطة المشدودة حول القدم قد تجاوزت غايتها، فتموت القدم، وتسقط عن الساق، كما تموت يد المجذوم وتسقط عن الذراع.
والأصل في هذه التقاليد أن الصيني لم يبغ من المرأة الصينية إنسانا له حقوق الإنسان، وإنما قصد منها إلى خادمة ملازمة للفراش. وقد نجح، وكان في نجاحه سقوط الصين.
والآن يقوم الشبان المجددون في الصين بهدم التقاليد، وقد نجحوا في هدمها، ولذلك شرعت الصين تنهض وتدخل في عداد الأمم المتمدنة.
ثم انظر إلى الهند، فقد كان من تقاليدها إلى بداية القرن الماضي أنه عندما كان الزوج يموت يأتى بأرملته وهي حية فتحرق مع جثته، وكان هذا عندهم من الدين. وقد كفوا عن ممارسة هذه العادة، ولكن لا يزال من بقاياها كراهة الأرامل، والتشاؤم منهن، ومعاملتهن أسوأ معاملة. والأرامل لا تتزوج إلى الآن في الهند.
وإلى الآن لا يزال من تقاليدهم نوع من البغاء الديني، فإن الهندوكي المؤمن ينذر ابنته لخدمة المعبد، فإذا بلغت سن الصبا حملها إليه فتصير بغيا لرجال المعبد، فإذا تجاوزت سن الشباب والجمال طردوها منه فتعود بغيا لسائر الناس. وقد أعلن غاندي الحرب على هذه التقاليد وهو لا يزال في المعمعة لم يكتب له النصر.
Página desconocida