Gandhi: La historia de mis experimentos con la verdad
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
Géneros
هوامش
الفصل الرابع عشر
التحضير للقضية
كان العام الذي قضيته في بريتوريا يضم أفضل الخبرات التي عايشتها في حياتي، فهناك توفرت لي الفرصة لتعلم الخدمة العامة وأدركت بعض الشيء مدى قدرتي على القيام بمثل ذلك العمل. وهناك أصبحت الروح الدينية قوة حية بداخلي، واكتسبت معرفة حقيقية بممارسة المحاماة. وتعلمت الأمور التي يتعلمها المحامي الصغير من المحامي الأكثر خبرة، واكتسبت الثقة التي تمكني من النجاح في هذه المهنة. وهكذا تعلمت أسرار النجاح كمحام.
كانت قضية دادا عبد الله كبيرة، فقد كانت الدعوى للمطالبة بمبلغ 40000 جنيه إسترليني، وكانت القضية مليئة بالحسابات المتداخلة لأنها كانت قائمة على العمليات التجارية، وكان جزء من الدعوى يرتكز على سندات إذنية والآخر على التنفيذ العيني للتعهد بتسليم سندات إذنية. وكان الدفاع يرتكز على القول بأن السندات الإذنية جرى الحصول عليها بالاحتيال وأنه لا يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. كانت هذه القضية المعقدة تحتوي على العديد من الوقائع والمسائل القانونية.
وقد وكل كلا الطرفين أفضل المحامين، مما أتاح لي فرصة دراسة كيفية عملهم. عهد إلي بإعداد حجة الادعاء للمحامي وفحص الوقائع التي تدعم حجته، وكنت أتعلم الكثير برؤية مقدار ما يقبله المحامي أو يرفضه من عملي، وأيضا برؤية مقدار استفادة مجموعة المحامين من المذكرة التي يعدها المحامي، ورأيت أن الإعداد للقضية سيجعلني أدرك مدى قدرتي على الفهم وقدرتي على تنظيم الأدلة.
لقد كنت شديد التحمس للقضية، حتى إنني كرست كل وقتي لها، فقرأت كل الأوراق المتعلقة بالمعاملات التجارية، وكان موكلي ذا نفوذ واسع وكان يثق بي ثقة مطلقة مما سهل مهمتي للغاية. عكفت على دراسة مسك الدفاتر حتى اكتسبت قدرا جيدا من المعرفة في هذا المجال، وتحسنت قدرتي على الترجمة نتيجة لترجمتي للمراسلات التي كان معظمها باللغة الجوجراتية.
ذكرت فيما سبق أنني كنت مهتما بالمسائل الدينية والخدمة العامة، وكنت دائما ما أخصص بعضا من وقتي لتلك الأعمال، لكن في هذه المدة لم تكن تلك الأعمال أولى اهتماماتي، بل كانت الأولوية لإعداد القضية، وكنت أعطي الأولوية لقراءة القانون ومراجعة القضايا القانونية عند الضرورة، ونتيجة لذلك أدركت وقائع القضية بصورة ربما لم يدركها بها أي من الطرفين؛ نظرا لما توفر لدي من مستندات تتعلق بكل من الطرفين.
تذكرت نصيحة الراحل السيد بينكت التي تقول بأن الوقائع هي ثلاثة أرباع القانون. وقد أكد تلك الكلمات فيما بعد الراحل السيد ليونارد، المحامي المشهور بجنوب أفريقيا. وبدراستي لإحدى القضايا التي كنت أتولاها، رأيت أنه مع أن العدالة في جانب موكلي فإن القانون كان ضده، فلجأت إلى السيد ليونارد طالبا العون، وقد رأى هو أيضا أن الوقائع دامغة، فقال لي: «لقد تعلمت أمرا واحدا يا غاندي، وهو أنه علينا أن نهتم بوقائع القضية وسوف يهتم القانون بنفسه، دعنا نتعمق أكثر في دراسة وقائع القضية.» فطلب مني التعمق أكثر في دراسة القضية، ثم أطلعه على ما توصلت إليه. بدت لي الوقائع مختلفة تماما عندما أعدت دراستها، وعثرت على قضية قديمة وقعت في جنوب أفريقيا تدور حول نفس المسألة، فشعرت بالسعادة وذهبت إلى السيد ليونارد وأخبرته بكل شيء فقال: «حسنا، سوف نربح القضية لكن علينا أن نضع في عين الاعتبار أي قاض سينظرها.»
عندما كنت أعد لقضية دادا عبد الله، لم أكن قد أدركت الأهمية العظمى للوقائع بصورة كاملة، فالوقائع تعني الحقيقة، وما إن نلتزم بالحقيقة فسرعان ما نجد القانون في صفنا بصورة تلقائية، وكان جليا أن وقائع قضية السيد دادا عبد الله كانت دامغة للغاية، وأنه يجب أن يكون القانون في جانبه، ولكنني في الوقت نفسه رأيت أن الاستمرار في الدعوى سيؤدي إلى الإضرار بكل من المدعي والمدعى عليه، وهما قريبان وينتمون إلى المدينة ذاتها. ولم يكن أحد يدري المدة التي يمكن أن يستغرقها نظر القضية، ففي حالة استمرار التقاضي في المحكمة، يمكن أن تستمر القضية لأجل غير مسمى ولن يكون ذلك في مصلحة أي من الطرفين، ولذلك كان كل من الطرفين يرغب في حل فوري لهذه القضية، إن وجد.
Página desconocida