قال: خذيها الآن وها أنا ذا في انتظاركما، وأشار إليها أن تأخذها إلى غرفة قريبة في أول الممر.
فتحيرت سلمى ولم تدر ماذا تصنع، ولكنها أطاعته وخرجت مع العجوز وهي لا تخاف الحمام؛ لأن الخنجر ليس معها. أما هو فأخذ يفتش في جوانب المقصورة حتى قلب الفراش ورأى الخنجر تحته، فلم يبق عنده شك في المكيدة فجعل ينتفض من شدة التأثر، وحدثته نفسه بأن يقتلها بذلك الخنجر. ولكنه تذكر كلام ابن زياد وأسرع إليه والخنجر في يده وقد أخذ الغضب منه مأخذا عظيما.
على أن شغفه بسلمى وإعجابه بها ما لبثا أن هونا عليه التماس العذر لها فقال: ولكنني مع ذلك لا أرى أن آخذها بالشبهة؛ إذ قد يكون هذا الخنجر هناك اتفاقا، وهب أنها تعمدت قتلي، فهل من المستحيل أن تندم وتتوب؟
فأدرك عبيد الله غرض يزيد، واستصوب رأيه فقال: لقد أصاب مولانا، والرأي عندي أن نبعث إليها من يسألها عن هذا الخنجر وسبب وجوده معها، فإذا أقرت بجريمتها عنفها وحرضها على التوبة والتماس العفو منك، فإن فعلت بقيت وإلا فالأمر لك.
فقال يزيد: نعم الرأي هذا، ولكنني لا آمن أن أعهد في هذه المهمة إلى سواك لعلمي بحكمتك ودهائك.
فلم يكد عبيد الله يسمع ذلك حتى أسرع إلى الغرفة التي كانت سلمى فيها، وكانت لما نزلت إلى تلك الغرفة والعجوز معها، ولم تجد هناك شيئا من معدات الحمام أدركت أن أمرها لم يبق مكتوما، وأنها إنما سيقت إلى هناك لأمر يوجب الخوف، فلم تعد تعبأ بشيء وقد يئست من الحياة. ولولا تذكرها عبد الرحمن لما ترددت لحظة في الانتحار، وكانت العجوز أيضا مندهشة ولم تفهم معنى هذا الانقلاب، ولم يستقر بهما المقام هناك حتى جاء ابن زياد وقرع الباب فخرجت له العجوز، فقال لها: أين سلمى؟
قالت: وماذا تريده منها؟
قال: أريد أن أبلغها أمرا من أمير المؤمنين.
قالت: هي هنا، وأشارت إلى داخل الغرفة. •••
دخل عبيد الله وقد خبأ الخنجر تحت ردائه، وكانت سلمى لما سمعت صوته تطيرت وأرخت النقاب على رأسها، فلما أقبل عليها ورأى جمالها قال في نفسه: حرام أن يمس هذا الجسم بسوء، فتلطف في الكلام وقال: لقد جئت من قبل أمير المؤمنين أسألك عن أمر أرجو منك أن تجيبيني عنه بالصدق والصراحة.
Página desconocida