قال: قد يكون ذلك إذا عرفت النعمة التي خصها بها أمير المؤمنين، وقد تكون شريرة عنيدة مثل أبيها وابن عمها فترتكب أمرا يسوء المسلمين ويهدد الإسلام.
قال: كيف نعرف الحقيقة يا عبيد الله؟
قال: نعرفها من البحث بين أثوابها عن سلاح أو سم أو نحوهما مما يستعان به على مثل هذا المنكر.
قال: لو كان معها شيئا من ذلك لظهر لعجوزنا حين بدلت ثيابها في الحمام.
قالت: وهل واثق مولاي من دخولها الحمام.
قال: لا ريب في ذلك؛ لأني أوصيتهم أن يدخلوها الحمام، وقد أكدت العجوز ذلك، ثم توقف عن الحديث وتذكر أنه لما سأل العجوز عن حمامها لم تجبه جوابا صريحا فقال: وسأسأل العجوز ثانية، فإن كانت لم تدخلها الحمام فلا مانع عندي من التفتيش. قال ذلك وهم بالخروج، فاستوقفه عبيد الله وقال: لا يكفي أن تبحث في أثوابها بل ابحث في كل الغرفة، فإذا وجدت شيئا فلا تتسرع في الأمر، بل كن حازما مثل أبيك، وخذ الأمور بالتؤدة والحلم، وها أنا ذا منتظر حتى يأتيني أمر مولاي.
كانت سلمى سمعت الخصي يخاطب يزيد ويلح عليه في الانفراد به، أوجست خيفة، على أنها لم تتصور أنه جاء لمثل ذلك الغرض، وكأن نفسها حدثتها بشر يتهددها، فاختلج قلبها واصطكت ركبتاها، ولكنها تجلدت ولبثت تنتظر عودة يزيد، وقد أيقنت أن الشراب دار في رأسه ودنا الوقت المنتظر.
وكانت العجوز قد انزوت في بعض جوانب الغرفة وغلب عليها النعاس فنامت.
فلما عاد يزيد هشت له سلمى وابتسمت، وتوقعت أن يكلمها أو يجلس إلى جانبها فإذا هو يصيح بالعجوز، فأفاقت مذعورة وأسرعت إليه فأخذ بيدها خارج الغرفة، فلما خلا إليها سألها إذا كانت قد أدخلت سلمى الحمام، فتلعثمت وأقرت بأنها رأتها منحرفة الصحة، فعنفها ولكنه أوصاها بالسكوت، ودخل وجلس إلى سلمى فظنت لأول وهلة أنه عاد إلى ما كان فيه وليس هناك ما يوجب الشك، فإذا به قد مد يده إلى صدرها وجعل يجس جوانبها فأجفلت وخافت ولكنها ظنته يداعبها. أما هو فتظاهر بمداعبتها ولما لم ير معها سلاحا قال للعجوز: ألم أقل لك: أدخليها الحمام؟
قالت: بلى يا مولاي، ولكنها كانت تشكو صداعا فلم أشأ أن أزعجها.
Página desconocida