قالت: ولكن ماذا؟ هل قتلوه؟ قالت ذلك وقد اختنق صوتها وسبقتها العبرات.
قال: لا لم تصل يدهم إلى ذلك، ولكنهم أسروه.
فلطمت خدها حتى كادت تقع أقراطها وقالت: من أسره؟ وكيف؟
فجعل يخفف عنها وهو يقص عليها حديث ابن زياد، دون أن يذكر لها شيئا مما قد بدأ به من المصاهرة، فلما فرغ من كلامه عادت سلمى إلى البكاء وهي تقول: وقبحهم الله! إنهم قبضوا عليه. أرأيت تطيرى في هذا الصباح وأنت لا تزال تغالطني؟ هذا ما كنت أخشاه، فما العمل الآن؟
فلبث عامر ساكنا غارقا في بحار أفكاره، فابتدرته قائلة: قل يا عماه. قل ما الرأي؟
قال وهو يفرك لحيته بسبابته كأنه يهيئ عبارة يخفف بها عنها: لا تعجلي يا سلمى، تمهلي واستعيني بالله، ولننظر في الأمر على مهل.
قالت: كيف أتمهل وقد أسروا عبد الرحمن، ولا أدري ما الذي يحدث له هناك؟ قالت ذلك وأجهشت بالبكاء، فتحير عامر في أمره وهو أشد منها خوفا عليه؛ لما سمعه من حديث ابن زياد، وحدثته نفسه أن يطلعها على ذلك ولكنه خاف أن يزداد قلقها فقال: لا يفيد التسرع، ونحن الآن حوالي الغروب، والليل أعمى لا نستطيع فيه عملا، ولا بد من الانتظار إلى الغد، وإن غدا لناظره قريب.
قالت: إنني خائفة من هذا الليل. إني خائفة أن يصاب عبد الرحمن ببلاء عاجل، فلا نملك حيلة لإنقاذه.
قال: لا أظنهم يبتون في شأنه الليلة، ولا بد من أن يمهلوه حينا ريثما يستطلعون حاله، وما دفعه إلى قتل الخليفة، وأرى أن أنزل غدا بأحمال التمر إلى دمشق، لاحتال لاستطلاع الخبر وأعود إليك، فنرى ما يكون.
قالت: لا بد من الانتظار إذن؟ فلنصبرن، إن الله مع الصابرين.
Página desconocida