وكان يزيد بن معاوية بعد أن أمر ابن زياد على الكوفة وأوصاه بدفع الحسين لم يهدأ له بال وهو يفكر في حال الشيعة؛ لعلمه أن قلوب المسلمين مع الحسين، ولكنه كان شديد الثقة بابن زياد؛ لما يعلمه من دهاء أبيه زياد من قبله، وكان يرجو أن يكون له كما كان أبوه لأبيه ، على أنه لم يكن يتوقع بلوغ الشدة بابن زياد حتى يفتك بالحسين وأولاده وأهل بيته إلى هذا الحد.
وكان لا ينفك عن استطلاع الأحوال ممن يرد عليه من رسل ابن زياد حينا بعد حين، فعلم بنهوض الحسين من مكة وقدومه إلى الكوفة، ثم لم يعد يسمع شيئا. حتى إذا كان في مجلسه ذات يوم وقد جلس الأمراء والأعيان بين يديه إذا بغلامه دخل وأنبأه أن بالباب رسولا من الكوفة، فخفق قلب يزيد لما يتوقعه من الخبر الجديد فقال: ليدخل.
فدخل رجل عليه أمارات السفر وقد تزمل بعباءته واعتم بكوفيته، فابتدره يزيد قائلا: من الرجل؟
قال: زجر بن قيس رسول عبيد الله بن زياد إلى أمير المؤمنين.
قال: وما وراءك؟
قال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره.
فاستبشر يزيد وأشرق وجهه وابتسم وقال: بشرك الله بالخير.
قال: اعلم يا أمير المؤمنين أن الحسين بن علي ورد علينا في ثمانية عشر من أهل بيته، وستين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال فاختاروا القتال.
فقال: وهل قاتلتوهم؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين، إننا عدونا عليهم من شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية، حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام القوم جعلوا يهربون إلى غير وزر ويلوذون بالآكام والحفر كما لاذ الحمائم من صقر.
Página desconocida