وفيما كانت سلمى تحاول الخروج، سمعتا وقع أقدام بباب الدار، فتغير وجه طوعة وخفق قلبها، إذ ليس في بيتها رجال، فأشارت إلى سلمى أن تمكث وخرجت هي إلى الباب فرأت رجلا واقفا والبغتة والكآبة ظاهرتان في وجهه فسألته عما يريده؟ فقال: أريد ماء.
فقدمت له كوبا شربها وجلس، فقالت له: يا عبد الله ألم تشرب؟
قالت: بلى. قالت: فاذهب إلى أهلك. فسكت وظل في مكانه لا يبرحه بعد أن طلبت منه الانصراف ثلاثا.
فقالت: يا سبحان الله! إني لا أحل لك الجلوس على بابي.
فقال لها: إني غريب، وليس لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة، فهل لك في أجر معلوم، ولعلي أكافئك فيما بعد؟
قالت: من أنت؟
قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء الأقوام وغروني.
وكانت سلمى واقفة تسمع، فلما سمعت ذلك اختلج قلبها في صدرها وأسرعت إلى الباب، فلما وقع بصرها عليه عرفته، وقد رأته من قبل في المدينة، فأرادت أن تستعطف طوعة في قبوله فإذا هي قد دعته من تلقاء نفسها.
فدخل مسلم وسيفه تحت عباءته والهم والتعب قد أثرا في سحنته، فعرضت عليه عشاء فلم يتعش، فوقفت سلمى بين يديه وقد أرسلت نقابها على رأسها وترقرقت الدموع في عينيها وقالت: ما أصابك يا مولاي؟
فتنهد مسلم وكادت العبرات تسبق كلامه وقال: دعيني يا أخية، ولا تسألي عن قومي، فقد قلت لكما إنه لا قوم لي ولا عشيرة في هذه المدينة.
Página desconocida