ومضت الأيام والناس يتساءلون عن امرأة اللورد أين هي، وشاعت عنها أحاديث السوء، حتى اكتشفوا بعد سنوات هيكلها العظمي، وثيابها الرثة في ذلك الصندوق فعلموا الحقيقة.
ويقال إن عطوفة اللورد مات عليها غما، فلما حدثت هذه المأساة قرر الناس أنه ليس من عار على تقبيل المرأة يوم العيد، بل إنه من حسن طالعها ذلك، وإن التي قبل خدها «سوكرت» رفاه العيش في عامها المقبل.
أنف طويل
قلت إن الرجل الشرقي ذا اللسان العربي تجنب صحبتنا في الأيام الأولى، ومر بنا شامخا مزدريا، فلما ألفنا القوم وألفونا، وشاركناهم في جدهم ولهوهم، وأنس كل منا إلى رفيقه، لمحت من صاحبنا الشرقي رقة لم أتعودها، وأخذ يتودد إلينا. حفظنا من الأمثال العربية: «من لقينا بأنف طويل لقيناه بخرطوم فيل.» وقد لقيتنا أيها المزدري بنا أمس، المتودد إلينا اليوم، بأنف طويل؛ فخذ هذا «المنخار» طوله ميل.
هزأت بنا في يوم العزلة والاغتراب، فاسمح لنا أن نستخف بك ونحن في حمى الاصدقاء وعزة الأصحاب.
من يزرع الثوم لا يقلعه ريحانا.
كلمات هزتني
ليس أسهل من الاهتزاز ... ونحن شعب عاطفي تهزنا الكلمة، غير أنه لا قيمة للانفعال إن لم يترسخ منهجا، أو يذكر عن الحياة موقفا. وأخطار الرعشة النفسية كثيرة، منها أن يمسي الإنسان رجفة مستمرة، أو أن يألف بليغ العبارات، فلا تعود تفعل فيه، بل تصبح الألفاظ أداة طرب وترفيه؛ لذلك في نفسي أبدا ريبة من حفظة الشعر والأمثال. وفي رأيي أن مرددي هذه يستعيضون بالمحفوظات عن التفكير الأصيل. ولو أن أحدنا أراد أن يؤلف كاتالوك الأقوال التي يعجب بها لجاءت كتابا ضخما، ولجاءت كتابا متناقضا؛ ففي مختلف الحالات تطفو على الذاكرة أقوال متضاربة؛ ففي حالات الفقر يعيد أحدنا «القناعة كنز لا يفنى.» وقد يوفق إلى ضرب بورصة رابح، فيستمع إلى نفسه معجبا بنفسه: «ما فاز باللذات إلا الجسور.» وقد تأتي الأقوال التي تهز بعد التجربة أو قبلها، أو قد توحي التجربة قولا.
والفكر الإنساني - لحد كبير - هو موحد الحصاد؛ لأن البشر يمرون في اختبارات متماثلة، فلا عجب والحياة تنكشف خلال مختلف العصور عن وحدة في التجارب أن تأتي هذه مجسدة في وحدة من الأقوال. وإن تصفحنا كتاب الأمثال اللبنانية للأستاذ أنيس فريحة - وقد جمع منها نحوا من خمسة آلاف - نجد أنها تبدو معربة تقريبا عن الأمثال الصينية القديمة أو اللاتينية، وغير مستغرب أن يكون لبعض القبائل التي لا تزال تسكن الغابات أمثال وأقوال.
من غريب الصدف أنني كنت في أمسية أقرأ قصيدة رثاء بالشاعر وديع عقل نظمها صديقه أمين تقي الدين، جاء في عجز آخر بيت فيها:
Página desconocida