Andalucía: Su Pasado y Su Presente
غابر الأندلس وحاضرها
Géneros
فيها خلعت عذاري ما بها عوض
فهي الرياض وكل الأرض صحراء
ابن سفر المريني
كانت شبه جزيرة إسبانيا في عمرانها قبل الفتح العربي منحطة عن عامة الممالك الأوروبية. حكمها الرومان وكانوا من خير من شاد بنيانا، وأقام في المعمور عمرانا، ومع هذا لم ينلها من عنايتهم كبير أمر، فلما جاء العرب الفاتحون في العقد الأخير من المائة الأولى كان عهدهم الأول عهد الفتوح على نحو ما كان عهدهم في الشام قلما التفتوا فيه إلى تجويد البناء حتى إذا ورد على الأندلس من الشرق بل من دمشق عبد الرحمن الداخل الأموي سنة 138ه نقل مع جماعته أسلوب أمته في العمران، وكان سبقه إليها جمهور من الشاميين، نقلوا أسلوب بنائهم وعاداتهم وأصول معاشهم، فاعتمدوا في بناء قصورهم ودورهم على الهندسة الدمشقية في الغالب، وجعلوا في الدور فناء أو صحنا في وسطه بركة ماء، وعلى جانبها الأزهار والأشجار، وتقوم بعض طنوف الطبقة الثانية من البناء على عمد من الرخام وغيره، والدور طبقتان فقط؛ طبقة سفلية للصيف والطبقة العلوية للشتاء، ويدخل إلى الدار من دهليز. رسم خطط هذه الدور بادئ بدء مهندسون من الروم، ثم أصبحت مع الزمن هندسة خاصة للعرب على ما كان شأنهم في الشام.
يقول بعضهم: إن العرب لما وصلوا إسبانيا لم يكن لهم هندسة مخصوصة فقل فيهم كالإسبانيين الإبداع والإيجاد، ولكنهم تفننوا في النقش، وأقدم مصانعهم مسجد قرطبة أنشأه عبد الرحمن الداخل سنة 785م والنقوش فيه والفسيفساء من عمل صناع من الروم، ومن هنا نشأت الصناعة العربية، وتمثلت في المساجد والبيع والقصور والحمامات والأبراج والأبواب الحصينة، ومن أغرب المباني: مسجد طليطلة مثال الهندسة العربية، وقادة منارة مسجد إشبيلية، وكثير من الأرتجة والأبواب، ولما استولى الإسبان على إشبيلية جعل ابن الأحمر غرناطة عاصمته، فقام قصر الحمراء وظهرت بدائعه، وهو أجمل زهرة من زهرات الصنائع النفيسة التي تفتقت أكمامها بأيدي العرب، وظل صناع العرب في إسبانيا قرونا بعد ذهاب دولتهم يعملون في المصانع الإسبانية، ويدخلون في هندستها بعض أساليبهم، فأثروا بها تأثيرا عظيما في الأبنية المبنية على الأسلوب الغوطي والإيطالي (الرنيسانس).
ولقد كان لملوك الأندلس وأمرائها وقوادها وعامة من تولوا خطط الحكم والقضاء والحسبة غرام باستكمال فخامة الملك وتشييد القصور، وجلب المياه، وبناء الأرصفة، وإقامة القلاع والحصون. بدأ بذلك عبد الرحمن الأول، وجرى آل بيته وعظماء مملكته على قدمه في هذا الشأن ومنهم عبد الرحمن بن الحكم (238) الذي كان «أول من جرى على سنن الخلفاء في الزينة والشكل وترتيب الخدمة، وكسا الخلافة أبهة الجلالة فشيد القصور، وجلب إليها المياه، وبنى الرصيف، وعمل عليه السقائف، وبنى المساجد الجوامع بالأندلس، وعمل السقاية على الرصيف، وأحدث الطرز، واستنبط عملها، واتخذ السكة بقرطبة، وفخم ملكه، وفي أيامه دخل الأندلس نفيس الوطاء وغرائب الأشياء»، ومنهم عبد الرحمن بن محمد الذي قال فيه صاحب العقد: «إن الملوك لم تزل تبني على أقدارها، ويقضى عليها بآثارها، وإنه بنى في المدة القليلة، ما لم تبن الخلفاء في المدة الطويلة، نعم لم يبق في القصر الذي فيه مصانع أجداده، ومعالم أوليته، بقية إلا وله فيها أثر محدث؛ إما تزييد، أو تجديد.»
كانت البلاد نسقا واحدا في العمران حتى كان للقرى أيضا نصيب وافر من العناية، ولذلك كثر عددها حتى قالوا: إنه كان على الوادي الكبير فقط أربعة عشر ألف قرية، فكنت على رواية ابن سعيد إذا سافرت من مدينة إلى مدينة لا تكاد تنقطع من العمارة ما بين قرى ومياه ومزارع، والصحاري فيها معدومة أي في القسم الذي تأصل فيه حكم العرب، ومما اختصت له أن قراها في نهاية من الجمال؛ لتصنع أهلها في أوضاعها وتبييضها لئلا تنبو العيون عنها، بل هي طراز من مناظر قد التفت بالبياض والزخرفة تخطف الأبصار، وعند وقوع شعاع الشمس عليها.
لاحت قراها بين خضرة أيكها
كالدر بين زبرجد مكنون
قويت حركة العمران بالطبع حيث كان يقيم الخليفة والسلطان، ولما ابتنى عبد الرحمن بن محمد في غربي قرطبة مدينة الزهراء خط فيها الأسواق، وابتنى الحمامات والحانات والقصور والمتنزهات، واجتلب إلى ذلك بناء العامة، وأمر مناديه بالنداء، ألا من أراد أن يبني دارا أو يتخذ مسكنا بجوار السلطان فله أربعمائة درهم؛ فتسارع الناس إلى العمارة فتكاثفت وتزايدوا فيها، فكادت أن تصل الأبنية بين قرطبة والزهراء والمسافة أربعة أميال.
Página desconocida