الحمد لله [ رب العالمين ](2) . لم يكن من عادة(3) السلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلفائه الراشدين ، أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه(4) السلام ، كما يفعل(5) كثير من الناس بل قد قال أنس بن مالك [ رضي الله عنه ](6) : لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله(7) صلى الله عليه وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له ، لما يعلمون من كراهته لذلك(8) . ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه ، تلقيا له ؛ كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام لعكرمة(9)(10) . وقال للأنصار ؛ لما قدم سعد بن معاذ(11) : « قوموا إلى سيدكم »(12) . وكان [ سعد متمرضا بالمدينة ، وكان ](1) قد قدم [ إلى بني قريظة ، شرقي المدينة ](2) [ ليحكم في بني قريظة(3) ، لأنهم نزلوا على حكمه ](4)(5) والذي ينبغي للناس ، أن يعتادوا اتباع السلف ، على ما كانوا عليه ، على عهد النبي(6) صلى الله عليه وسلم ؛ فإنهم خير القرون ، وخير الكلام كلام الله . وخير الهدي هدي محمد [ صلى الله عليه وسلم ](7) فلا يعدل أحد عن هدي خير الخلق(8) ، وهدي خير القرون ، إلى ما هو دونه . وينبغي للمطاع ، أن لا يقر(9) ذلك مع أصحابه ، بحيث إذا رأوه ، لم يقوموا له [ ولا يقوم لهم ](10) إلا في اللقاء المعتاد . فأما(11) القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيا له ، فحسن ، وإذا كان من عادة الناس ، إكرام الجائي(12) بالقيام ولو ترك [ ذلك ](13) لاعتقد أن ذلك بخس في حقه(14) أو قصد لخفضه(15) !! ولم يعلم العادة الموافقة للسنة . فالأصلح أن يقام له ؛ لأن ذلك إصلاح(1) لذات البين ، وإزالة للتباغض(2) والشحناء . وأما من عرف عادة القوم ، الموافقة للسنة فليس في ترك ذلك إيذاء له . وليس هذا القيام [ هو القيام ](3) المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : « من سره : أن يتمثل له الرجال قياما ، فليتبوأ مقعده من النار »(4) . فإن ذلك ، أن يقوموا [ له ](5) وهو قاعد . ليس هو : أن يقوموا لمجيئه إذا جاء . ولهذا فرقوا [ بين ](6) أن يقال : قمت إليه ، وقمت له والقائم للقادم ؛ ساواه في القيام ، بخلاف القيام(7) للقاعد . وقد ثبت في صحيح مسلم : « أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم قاعدا في مرضه ، [ و](8) صلوا قياما . أمرهم بالقعود ، وقال : لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضا »(9) . فقد(10) نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد ؛ لئلا يشبهوا الأعاجم(11) ، الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود . وجماع ذلك [ كله ](12) [ أن ](13) الذي يصلح : اتباع عادات(1) السلف ، وأخلاقهم ، والاجتهاد [ عليه ](2) بحسب الإمكان : فمن لم يعتد(3) ذلك ، أو لم(4) يعرف أنه العادة ؛ وكان في ترك معاملته ، بما اعتاده [ من ](5) الناس : من الاحترام مفسدة راجحة . فإنه يدفع أعظم الفسادين ، بالتزام أدناهما . كما يجب فعل أعظم الصلاحين(6) ، بتفويت أدناهما .
فصل [ حكم الانحناء عند التحية ]
وأما الانحناء : عند التحية . فينهى عنه ؛ كما في الترمذي « عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنهم سألوه : عن الرجل يلقى أخاه [ أ](7)ينحني له ؟ قال : لا »(8) . ولأن الركوع والسجود ؛ لا يجوز فعله إلا لله [ عز وجل ](9) ، وإن كان هذا ، على وجه التحية ، في غير شريعتنا كما [ قال ](10) ، في قصة يوسف { وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل }(11) ، وفي شريعتنا : لا يصلح السجود إلا لله . بل [ قد ](12) تقدم(13) نهيه : عن القيام ، كما تفعل(14) الأعاجم بعضها لبعض(15) فكيف بالركوع والسجود ؟ ! وكذلك ما هو ركوع ناقص ، يدخل في النهي عنه .
Página 297