Las iluminaciones de La Meca

Ibn Arabi d. 638 AH
38

Las iluminaciones de La Meca

الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية

Editorial

دار إحياء التراث العربي

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1418هـ- 1998م

Ubicación del editor

لبنان

ثم نرجع إلى السبب الذي لأجله منعنا المتأهب لتجلي الحق إلى قلبه من النظر في صحة العقائد من جهة علم | | الكلام ، فمن ذلك أن العوام بلا خلاف من كل متشرع صحيح العقل عقائدهم سليمة وأنهم مسلمون ، مع أنهم لم يطالعوا | شيئا من علم الكلام ولا عرفوا مذاهب الخصوم ، بل أبقاهم الله تعالى على صحة الفطرة وهو العلم بوجود الله تعالى بتلقين | الوالد المتشرع أو المربي ، وأنهم من معرفة الحق سبحانه وتنزيهه على حكم المعرفة ، والتنزيه الوارد في ظاهر القرآن | المبين ، وهم فيه بحمد الله على صحة وصواب ما لم يتطرق أحد منهم إلى التأويل ، فإن تطرق أحد منهم إلى التأويل خرج | عن حكم العامة والتحق بصنف ما من أصناف أهل النظر والتأويل . وهو على حسب تأويله وعليه يلقى الله تعالى ، فإما | مصيب وإما مخطئ بالنظر إلى ما يناقض ظاهر ما جاء به الشرع ، فالعامة بحمد الله سليمة عقائدهم لأنهم تلقوها كما | ذكرناه من ظاهر الكتاب العزيز التلقي الذي يجب القطع به ، وذلك أن التواتر من الطرق الموصلة إلى العلم ، وليس | الغرض من العلم إلا القطع على المعلوم أنه على حد ما علمناه من غير ريب ولا شك ، والقرآن العزيز قد ثبت عندنا | بالتواتر أنه جاء به شخص ادعى أنه رسول من عند الله تعالى ، وأنه جاء بما يدل على صدقه وهو هذا القرآن ، وأنه ما | استطاع أحد على معارضته أصلا ، فقد صح عندنا بالتواتر أنه رسول الله إلينا ، وأنه جاء بهذا القرآن الذي بين أيدينا اليوم | وأخبر أنه كلام الله ، وثبت هذا كله عندنا تواترا ، فقد ثبت العلم به أنه النبأ الحق والقول الفصل . والأدلة سمعية وعقلية ، | وإذا حكما على أمر بحكم ما فلا شك فيه أنه على ذلك الحكم . وإذا كان الأمر على ما قلناه فيأخذ المتأهب عقيدته من | القرآن العزيز وهو بمنزلة الدليل العقلي في الدلالة ، إذ هو الصدق الذي ^ ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من | حكيم حميد ) ^ [ فصلت : 42 ] . فلا يحتاج المتأهب مع ثبوت هذا الأصل إلى أدلة العقول إذ قد حصل الدليل القاطع | الذي عليه السيف معلق . والإصفاق عليه محقق عنده ، قالت اليهود لمحمد [ & ] : انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى عليه | سورة الإخلاص ولم يقم لهم من أدلة النظر دليلا واحدا فقال : ^ ( قل هو الله ) ^ [ الإخلاص : 1 ] فأثبت الوجود ^ ( أحد ) ^ | [ الإخلاص : 1 ] فنفى العدد وأثبت الأحدية لله سبحانه ^ ( الله الصمد ) ^ [ الإخلاص : 2 ] فنفى الجسم ^ ( لم يلد | ولم يولد ) ^ [ الإخلاص : 3 ] فنفى الوالد والولد ^ ( ولم يكن له كفوا أحد ) ^ [ الإخلاص : 4 ] فنفى الصاحبة ، | كما نفى الشريك بقوله : ^ ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ^ [ الأنبياء : 22 ] فيطلب صاحب الدليل العقلي البرهان على | صحة هذه المعاني بالعقل وقد دل على صحة هذا اللفظ ، فيا ليت شعري هذا الذي يطلب يعرف الله من جهة الدليل ، | ويكفر من لا ينظر كيف كانت حالته قبل النظر ، وفي حال النظر هل هو مسلم أم لا ؟ وهل يصلي ويصوم ؟ أو ثبت عنده أن | محمدا رسول الله إليه أو أن الله موجود ؟ فإن كان معتقدا لهذا كله فهذه حالة العوام فليتركهم على ما هم عليه ولا يكفر | أحدا ، وإن لم يكن معتقدا لهذا إلا حتى بنظر ويقرأ علم الكلام فنعوذ بالله من هذا المذهب حيث أداه سوء النظر إلى | الخروج عن الإيمان ، وعلماء هذا العلم رضي الله عنهم ما وضعوه وصنفوا فيه ما صنفوه ليثبتوا في أنفسهم العلم بالله ، | وإنما وضعوه إرداعا للخصوم الذين جحدوا الإله أو الصفات أو بعض الصفات أو الرسالة أو رسالة محمد [ & ] خاصة أو | حدوث العالم ، أو الإعادة إلى هذه الأجسام بعد الموت أو الحشر والنشر وما يتعلق بهذا الصنف ، وكانوا كافرين بالقرآن | مكذبين به جاحدين له ، فطلب علماء الكلام إقامة الأدلة عليهم على الطريقة التي زعموا أنها أدتهم إلى إبطال ما ادعينا | صحته خاصة حتى لا يشوشوا على العوام عقائدهم ، فمهما برز في ميدان المجادلة بدعي برز له أشعري أو من كان من | أصحاب علم النظر ولم يقتصروا على السيف رغبة منهم وحرصا على أن يردوا واحدا إلى الإيمان والانتظام في سلك أمة | محمد [ & ] بالبرهان ، إذ الذي كان يأتي بالأمر المعجز على صدق دعواه قد فقد وهو الرسول عليه السلام ، فالبرهان عندهم | قائم مقام تلك المعجزة في حق من عرف ، فإن الراجع بالبرهان أصح إسلاما من الراجع بالسيف ، فإن الخوف يمكن أن | يحمله على النفاق وصاحب البرهان ليس كذلك . فلهذا رضي الله عنهم وضعوا علم الجوهر والعرض لا غير ، ويكفي في | المصر منه واحد ، فإذا كان الشخص مؤمنا بالقرآن أنه كلام الله قاطعا به فليأخذ عقيدته منه من غير تأويل ولا ميل ، فنزه | | سبحانه نفسه أن يشبهه شيء من المخلوقات أو يشبه شيئا بقوله تعالى : ^ ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ^ | [ الشورى : 11 ] ^ ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) ^ [ الصافات : 180 ] . وأثبت رؤيته في الدار الآخرة بظاهر قوله : | ^ ( وجوه يومئذ ناضرة ) ^ [ القيامة : 22 ] ^ ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) ^ [ المطففين : 15 ] وانتفت الإحاطة بدركه بقوله : | ^ ( لا تدركه الأبصار ) ^ [ الأنعام : 103 ] وثبت كونه قادرا بقوله : ^ ( وهو على كل شيء قدير ) ^ [ المائدة : 120 ] وثبت كونه عالما | بقوله : ^ ( أحاط بكل شيء علما ) ^ [ الطلاق : 12 ] وثبت كونه مريدا بقوله : ^ ( فعال لما يريد ) ^ [ البروج : 16 ] وثبت كونه | سميعا بقوله : ^ ( قد سمع الله ) ^ [ المجادلة : 1 ] وثبت كونه بصيرا بقوله ^ ( ألم يعلم بأن الله يرى ) ^ [ العلق : 14 ] وثبت كونه | متكلما بقوله : ^ ( وكلم الله موسى تكليما ) ^ [ النساء : 164 ] وثبت كونه حيا بقوله : ^ ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) ^ | [ البقرة : 255 ] وثبت إرسال الرسل بقوله : ^ ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) ^ [ النحل : 43 ] وثبتت رسالة | محمد [ & ] بقوله تعالى : ^ ( محمد رسول الله ) ^ [ الفتح : 29 ] وثبت أنه آخر الأنبياء بقوله : ^ ( وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء | عليما ) ^ [ الأحزاب : 40 ] وثبت أن كل ما سواه خلق له بقوله : ^ ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) ^ | [ الزمر : 62 ] وثبت خلق الجن بقوله تعالى : ^ ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ^ [ الذاريات : 56 ] وثبت حشر | الأجساد بقوله : ^ ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) ^ [ طه : 55 ] إلى أمثال هذا مما تحتاج إليه العقائد من | الحشر والنشر والقضاء والقدر والجنة والنار والقبر والميزان والحوض والصراط والحساب والصحف ، وكل ما لا بد | للمعتقد أن يعتقده . قال تعالى : ^ ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ^ [ الأنعام : 38 ] وأن هذا القرآن معجزته عليه السلام بطلب | معارضته والعجز عن ذلك في قوله : ^ ( قل فأتوا بسورة مثله ) ^ [ يونس : 38 ] ثم قطع أن المعارضة لا تكون أبدا بقوله : | ^ ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) ^ [ الإسراء : 88 ] وأخبر | بعجز من أراد معارضته وإقراره بأن الأمر عظيم فيه فقال : ^ ( إنه فكر وقدر ) ^ [ المدثر : 18 ] إلى قوله : ^ ( إن هذا إلا سحر | يؤثر ) ^ [ المدثر : 24 ] ففي القرآن العزيز للعاقل غنية كبيرة ، ولصاحب الداء العضال دواء وشفاء كما قال : ^ ( وننزل من | القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) ^ [ الإسراء : 82 ] ومقنع شاف لمن عزم على طريق النجاة ورغب في سمو الدرجات ، | وترك العلوم التي تورد عليها الشبه والشكوك فيضيع الوقت ويخاف المقت ، إذ المنتحل لتلك الطريقة قلما ينجو من | التشغيب أو يشتغل برياضة نفسه وتهذيبها ، فإنه مستغرق الأوقات في إرداع الخصوم الذين لم يوجد لهم عين ، ودفع شبه | يمكن إن وقعت للخصم ويمكن إن لم تقع ، فقد تقع وقد ولا تقع ، وإذا وقعت فسيف الشريعة أردع وأقطع .

' أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وحتى يؤمنوا بي وبما جئت به ' هذا قوله [ & ] . ولم يدفعنا | لمجادلتهم إذا حضروا إنما هو الجهاد والسيف إن عاند فيما قيل له ، فكيف بخصم متوهم نقطع الزمان بمجادلته وما رأينا | له عينا ولا قال لنا شيئا ، وإنما نحن مع ما وقع لنا في نفوسنا ونتخيل أنا مع غيرنا ، ومع هذا فإنهم رضي الله عنهم اجتهدوا | وخيرا قصدوا ، وإن كان الذي تركوا أوجب عليهم من الذي شغلوا نفوسهم به والله ينفع الكل بقصده ، ولولا التطويل | لتكلمت على مقامات العلوم ومراتبها ، وأن علم الكلام مع شرفه لا يحتاج إليه أكثر الناس ، بل شخص واحد يكفي منه في | البلد مثل الطبيب والفقهاء العلماء بفروع الدين ليسوا كذلك ، بل الناس محتاجون إلى الكثرة من علماء الشريعة ، وفي | الشريعة بحمد الله الغنية والكفاية ، ولو مات الإنسان وهو لا يعرف اصطلاح القائلين بعلم النظر مثل الجوهر والعرض | والجسم والجسماني والروح والروحاني لم يسأله الله تعالى عن ذلك ، وإنما يسأل الله الناس عما أوجب عليهم من | التكليف خاصة والله يرزقنا الحياء منه . |

( وصل ) :

Página 74