الصعيد من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا شرقيّا من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا غربيّا من موضع كذا إلى موضع كذا؛ فوضع يوسف العمّال، فحفر خليج المنهى (من أعلى أشمون «١») إلى اللاهون، وأمر البنّائين أن يحفروا اللاهون، وحفر خليج الفيّوم وهو الخليج الشرقى، وحفر خليجا بقرية يقال لها تنهمت من قرى الفيوم، وهو الخليج الغربىّ. فخرج ماؤها من الخليج الشرقىّ فصبّ فى النيل، وخرج من الخليج الغربىّ فصبّ فى صحراء تنهمت إلى الغرب فلم يبق فى الجوبة ماء. ثم أدخلها الفعلة، فقطع ما كان فيها من القصب والطرفاء وأخرجه منها، وكان ذلك ابتداء جرى النيل، وقد صارت الجوبة أرضا ريفيّة بّريّة «٢» وارتفع ماء النيل، فدخل فى رأس المنهى، فجرى فيه حتى انتهى إلى اللاهون فقطعه إلى الفيوم، فدخل خليجها فسقاها، فصارت لجّة من النيل. فخرج إليها الملك ووزراءه، وكان هذا كلّه فى سبعين يوما. فلما نظر إليها الملك قال لوزرائه أولئك: هذا عمل ألف يوم فسمّيت الفيوم، وأقامت تزرع كما تزرع غوائط مصر*) .
قال: (* وقد سمعت فى استخراج الفيوم وجها غير هذا. حدثنا يحيى بن خالد العدوىّ، عن ابن لهعة، عن يزيد بن أبى حبيب، أن يوسف النّبيّ- ﵇ ملك مصر وهو ابن ثلاثين سنة، فأقام يدبّر أمرها أربعين سنة، فقال أهل مصر: قد كبر يوسف واختلف رأيه، فعزلوه وقالوا: اختر لنفسك من الموات أرضا نقطعكها لنفسك وتصلحها، ونعلم رأيك فيها. فإن رأينا من رأيك وحسن تدبيرك ما نعلم أنك فى زيادة من عقلك رددناك إلى ملكك، فاعترض البرّيّة فى نواحى مصر فاختار موضع الفيوم فأعطيها، فشقّ إليها خليج المنهى من النيل حتى أدخله الفيوم كلّها، وفرغ من حفر ذلك كلّه فى سنة*) .
وبلغنا أنه إنما عمل ذلك بالوحى، وقوى على ذلك بكثره الفعلة والأعوان فنظروا فإذا الذي أحياه يوسف من الفيوم لا يعلمون له بمصر كلّها مثلا ولا نظيرا، فقالوا: ما كان يوسف قط أفضل عقلا ولا رأيا ولا تدبيرا منه اليوم، فردّوا إليه الملك، فأقام ستّين
1 / 35