فاقض ما أنت قاض (1) ، فالدولة لك (2) . فصح قوله "أنا ربكم الأعلى". وإن كان عين (3) الحق فالصورة لفرعون . فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل . فإن الأسباب لا سبيل الى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها ؛ فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله . وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ، فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها ، وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها. كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما (4) كان له وجود قبل هذا الحدوث . لذلك (5) قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهم يلعبون " : "ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين " . والرحمن (6) لا يأتي إلا بالرحمة . ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة . وأما قوله وفلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده * إلا قوم يونس ، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله(7) في الاستثناء إلا قوم يونس. فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون (100-ب) مع وجود الإيمان منه . هذا إن كان أمره أمر(8) من تيقن بالانتقال في تلك الساعة . وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف
Página 211