رجع: أدعوك وعملي سيئ ليحسن، وقلبي مظلم لكي ينير، وقد عدلت عن المحجة إلى بنيات الطريق، وأنت العدل ومن عدلك أخاف، يا من سبح له زرقة الأفق وزرقة الماء وحمرة الفجر وحمرة شفق الغروب. وإن كان الدمع يطفئ غضبك فهب لي عينين كأنهما غمامتا شتىٍ تبلان الصباح والمساء، واجعلني في الدنيا منك وجلًا لأفوز في الاخرة بالأمان، وأرزقنى في خوفك بر والدي وقد فاد، بره إهداء الدعوة له بالغدو والآصال؛ فأهد اللهم له تحية أبقى من عروة الحدب وأذكى من ورد الربيع، وأحسن من بوارق الغمام، تسفر لها ظلمة الحدث ويخضر أغبر السفاة ويأرج ثرى الأرض، تحية رجلٍ للقياليس براجٍ. غاية.
تفسير: بنيات الطريق: الطرق الخفية يضل فيها. والشتئ: مطر الشتاء. وفاد: مات. والسفاة: ترابٍ القبر وجمعه سفى، وكل ترابٍ سفى؛ قال أبو ذؤيبٍ:
فلا تلمس الأفعي يداك تريدها ... ودعها إذا ما غيبتها سفاتها
رجع: أتجنب أخلاق الدعرم، ولا أطرب لغناء العكرم! وأتوقع جوار الغضرم، والمذنب لنفسه غير مكرمٍ، والموت جامع بين الطفل والهرم. ولك يا غراب حبالة عند الوكرولو كان في أعلى نيقٍ، ولا يغبطن حسل العرارة على طول العمر فصيل الكريم؛ فإن طول المدة كوحاء المدية وآخر الحياة يوم خوان. ولعل العبور بهللها أعجب من العروس الأعرابية بالطرف. وكفاك بلغة نصيباك من خبى الجفر ونبى الثفال؛ فنل ما شئت من الطعام وكانك إذا سغبت لم تذق من لماجٍ. غاية.
تفسير: الدعرم: السئ الخلق. والعكرم: جمع عكرمةٍ وهي الحمامة. والغضرم: ضرب من التراب يشبه الجص. والحسل: ولد الضب وهو موصوف بطول العمر. والعرارة: واحدة العرار، وربما كانت عند جحر الضب فعلاها ولعب فوقها. والهبور: العنكبوت. والهلل: بيتها. والطرف: قبة من أدمٍ. وخبى الجفر: الماء. ونبى التفال: الدقيق. واللماج: لا يستعمل إلا في النفى وهو القليل من الطعام يقال ما ذاق من لماجٍ، وما وجدنا بالنعجة لما جًا أي قليلًا من لبنٍ؛ قال الراجز:
أعطى خليلى نعجةً هملاجا ... رجاجةً إن له رجاجا
لا تسبق الشيخ اذا أفاجا ... لا يجذ الراعي بها لماجا
الرجاجة: الضعيفة المهزولة. وافاج: أسرع.
رجع: أيها المسكين الغاد، ما أنت وحمامة طوقها من الحمم وبردها من الرماد، كأن كاتبًا خط في عنقها بمدادٍ، تقدٍ خالقها في الوضح والسواد، قد رضيت من الأوطان بغصنٍ في غينة وادٍ، مشيفةً على صغيرين عجزا عن المراد، أجدبت عليها الأرض وبعد المائرون فهي تنقل الحبة إلى حبيبي الفؤاد! فامض لحاجتك ولا ترمها بابنة طمار فلعلها تنسك بأغاني من غير أثامٍ، ولها في الصبح نبرات كنبرات الرهبان أما هتافها: سبحانك الله سبحان، خافت الخالتى وما شعرت بحمام وهي تحضن حصاتين في وكر جمعته من شتى الأغصان؛ يميل بها في الريح، ويعينها على التسبيح، فلا إله إلا الله ما لمع لامع وشجاشاجٍ. غاية.
تفسير: الغينة: شجرة كثيرة الأغصان والورق. ومشيفة: مشرفة. إبنة طمار: الداهية.
رجع: أرتفع وأفتخر، وعن قليل أهلك وأخر، فأبعد الله الأخر، لمن أجمع ولمن أدخر والجرائم كنبات الإذخر، إذا نبت بالأرض أخذ بعضه بأعناق بعضٍ. فمن سره البض في دار الآخرة فليرض بإنخضاد الفن وإنحتات الورق وكبو الزند، ولا يرسل حسله على جرين غيره وإن كان في السعة كحرةً النار، وليكفف غرابة عن اختلاس ما طاب من الثمرات، وليمنع نمره من بهم أخيه؛ فلعله يعرف وضح المنهاج. غاية.
تفسير: الإذخر: لا ينبت إلا متصلًا بعضه ببعض، ومنه قول أبى كبير:
وأخو الأباءة إذ رأى إخوانه ... تلى شفاعًا حوله كالاذخر
تلى: جمع تليل وهو المصروع. والعتر ينبت فاردًا مفترقًا؛ ومن ذلك قول البريق الهذلى:
وما كنت اخشى أن أكون خلافه ... مقيمًا بأبياتٍ كما نبت العتر
وأصل البض أن يكون اللون أبيض والجلد ناعمًا؛ وقال أو زيدٍ البضة: الرقيقة الجلد وإن كانت سوداء. والبض هاهنا: العيش الناعم. وانحضد الفن وهو الغصن إذا إنكسر ولم يبن من الشجرة. وأنحتات الورق: تساقطه. والحسل: ولد الضب، والضب موصوف بحب التمر؛ وهذا مثل.
1 / 78