وقد صرفت نفسي في الشبيبة فألفيتها صاحبة جماحٍ؛ فالآن وقد أسمألت الظلال إن تركتها أسفت، وإن زجرتها فلا انزجار، كأن كلامي سفير الريح ما لها إليه التفات. وقد سئمت الحياة وأخاف أن أنقل فأقدم على ما حزن وساء، وأنا أغفلت الحزم: ملت عن الجدد ومشيت في الخبار. قد خلصت من الحبالة فكيف عدت، وعلى علمٍ وضعت القدم في النار. أحلف يا نفس ولك الحلف، لقد ضيعت آخرتك ودنياك، ما وفق رجل أمن الله وخشى الناس. أسعى للنفس فيما تكره كأنني لها غاش، أنا وهي شئ لا ينماز؛ نتراد الملامة كأنا اثنان، تلك محارة في حورٍ، إن جنت على أو جنيت كيف يقع القصاص. أفنيت الشبيبة سوى سوادٍ قد آن له أن يبدل ببياضٍ، قد خيط الوضح مفارق رجالٍ أنا قبلهم في الزمان، ولا منفعة بشعر الكذاب. ظلمت فجزيت أو أبتهل عليك داعٍ، إن بكر السماء يومًا عندك لراغٍ، لا يكفك القليل ولو أنصفت لقلت كفاف. عقتنى يا نفس فجزتك عقاق. قائل الخنا يأرك بفيه الحبر فلا يشوفه الأراك، وآكل ما حظر عليه لا ينقى فمه الحرض، لكن يبشم ولا يصقل ثغره البشام. ألا تخبر ين من خليلك! فليس بينك وبين أحدٍ خلال. هل لك في شرك المفاوضة بعد العنان، تقطعين الحنادس ما نبحك نابح ولا عواك عاوٍ، وذكر الله أعذب ما طرح إلى الأفواه. يا سعادة من شغف به لسانه، وأشتفته شفتاه. إن زندى في التقوى غير وارٍ، ما هو من المرخ ولا العفار، إنما قضب على إغتلاثٍ. غاية.
تفسير: عتوراة: قبيلة من غنىٍ. ويوم أوارة هو الذي قتل فيه عمرو بن هندٍ بنى دارة. وأجياد: الموضع الذي كانت فيه الوقعة بين جرهمٍ وخزاعة فغلبتها خزاعة على الحرم ولم تحضرها إياد لأنهم كانوا بنواحىي العراق. اللاب: جمع لابةٍ وهي الحرة. والكلاب: ماء معروف. أطرار كل شئ: نواحيه. درى دبس: مثل أصله أن تجئ السماء بمطرٍ كثيرٍ.
ودبس من أسماء السماء؛ ويضرب للرجل إذا أكثر كلامه. العبس: ضرب من النبت طيب الرائحة. والعبس: ما يلتصق بأذناب الإبل وأوبارها من البعر. والدرة من الوادة أي الولد النفيس. والدرة من الوليد أي الوالدة التي تدر عليك. وغلاب: أسم إمرأةٍ مشتق من الغلبة.
وأسمألت الظلال: قصرت ولحقت بأصلها. وسفير الريح: ما تسفره من الورق أي تكنسه. تلك محارة في حورٍ: مثل أي رجوع في نقصانٍ. عقاق: أسم للعقوق مثل فجار للفجور. ويأرك: يقيم. والحبر: الوسخ وما يركب الأسنان من صفرةٍ وسوادٍ. ويشوفه: يجلوه. والحرض: الأشنان. والبشام: شجر يستاك به. والخلال: المودة. وإشتفته أي أخذت بقيته وهي الشفافة. وقضب: قطع. وإغتلث الزند إذا قطعه من شجرةٍ لا يدرى أتورى نارًا أم لا.
رجع: عس جد، فاتاك بمسجدٍ، وأنت هارج الأحلام. كسيت الحداثة فأبليتها، وأعطيت الصحة فتمليتها، ما خلوت من الجرائم ولا خليتها، قتلنى دنياي فما قليتها، إكتلأتها فما إكتليتها، حلفت البرة وتأليتها، لتمسين الكاذبة وقد نأيتها، ثم يتخذ للجثة بيتها، قد كرهت المنية وأبيتها. وسمت الأرض ثم وليت، على أجسادٍ قد بليت، علت في الحياة وعليت، سلت أرواحها فسليت، وقلت الحاجة إليها فقليت، رب ثغرٍ ما أمله اللمؤملون يستر بشفين من حماوين شفتين كريشتى حمامٍ يأشر إلى أشره الحليم، يندى برضابٍ يختار على رضاب السحاب، ضحا للشمس فسفت عليه المور، ونزع مفلجه من العور، أين شفة، تهش إليها الرشفة، والفروع غير باقيةٍ بعد الأجناث. غاية.
تفسير: أصل العس طلب الشئ بالليل. والجد: الحظ وهو هاهنا مثل. ويقال بات فلان يهرج الأحلام إذا بات يراها. وأصل الهرج النكاح؛ قال الراجز:
وحوقلٍ سقنًا به فناما ... لم يدر وهو يهرج الأحلاما
أيمنًا سقنا به أم شاما
الحوقل: الشيخ الكبير. ويقال هو الذي قد عجز عن الجماع. وتمليتها: من الملى وهو برهة من الدهر. إكتلأتها: من الكلاءة وهي مراقبة الشئ. وإكتليتها: أصبت كليتها. وعلت: من الأرتفاع. وعليت: من الظفر. فسليت: من السلو. والشف: الستر الرقيق. والحماء: التي تضرب إلى السواد. ويأشر: إفراط النشاط. والأشر: تحزيز في أطراف الأسنان. ضحا للشمس: ظهر. والمور: دقيق التراب. والعمور: اللحم بين الأسنان واحدها عمر. والأجناث: جمع جنثٍ وهو الأصل.
1 / 70