سبحانه لما قال: * (والذين يكنزرن الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) * علم كل سامع للخطاب أنه أرادهما معا بما قدمه من كراهة كنزهما المانع من انفاقهما فلما عم الشيئين بذكر يتضمنهما في ظاهر المقال بما يدل على معنى ما أخره من ذكر الانفاق، اكتفى بذكر أحدهما للاختصار. وكذلك قوله تعالى: * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) * (1) إنما اكتفى بالكناية عن أحدهما في ذكرهما معا لما قدمه في ذكرهما من دليل ما تضمنته الكناية فقال تعالى: * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) * فاوقع الرؤية على الشيئين جميعا وجعلهما سببا للاشتغال بما وقعت عليه منهما عن ذكر الله عزوجل والصلاة، وليس يجوز أن يقع الالتباس في أنه أراد أحدهما مع ما قدمه من الذكز إذ لو أراد ذلك لخلا الكلام عن الفائدة المعقولة فكان العلم بذلك يجزي في الاشارة إليه. وكذلك قوله تعالى. * (والله ورسوله أحق أن يرضوه) * (2) لما تقدم ذكر الله على التفصيل وذكر رسوله على البيان دل على أن الحق في الرضا لهما جميعا وإلا لم يكن ذكرهما جميعا معا يفيد شيئا على الحد الذي قدمناه وكذلك قول الشاعر: نحن بما عندنا وأنت بما * * عندك راض والرأي مختلف لو لم يتقدمه قوله: نحن بما عندنا، لم يجز الاقتصار على الثاني لانه لو حمل الاول على إسقاط المضمر من قوله راضون لخلا الكلام عن الفائدة فلما كان سائر ما ذكرناه معلوما عند من عقل الخطاب جاز الاقتصار فيه على أحد المذكورين للايجاز والاختصار
---
(1) - الجمعة / 11. 2 - التوبة / 62 (*).
--- [48]
Página 47