Capítulos de filosofía china
فصول من الفلسفة الصينية: مع النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس
Géneros
أما كيف يكسب الحاكم قلوب الرعية فمن خلال قيامه بأعباء واجبين؛ الأول تجاه نفسه، والثاني تجاه الرعية. فواجبه تجاه نفسه يتلخص في إصلاح نفسه قبل أن يفكر بإصلاح الآخرين؛ لأن في صلاح الحاكم صلاحا للرعية، وفضيلته تغدو نموذجا يحتذيه الجميع (منشيوس 8: 5).
أما واجبه تجاه الرعية فيتلخص في عنايته برخاء الناس، والرخاء هنا لا يعني بناء دولة رفاهية عند منشيوس، بل أن يكون كل رب أسرة قادرا على تأمين الحاجات الأساسية لأسرته. وقد قدم منشيوس عبر كتابه وصفات عديدة للحاكم من أجل إحلال الرخاء، ومنها قوله: «دع أشجار التوت تزرع في أرض مساحتها واحد مو ضمن سياج العائلة، ودع ربات البيوت يربين دودة القز، وسوف يكون لدى المسنين أثواب حريرية يرتدونها. دع خمس دجاجات وخنزيرين تربى بعناية في مواسم تكاثرها، وسيكون لدى المسنين لحم يأكلونه. دع رب كل أسرة يزرع مائة مو من الأرض، وسيكون لدى كل أسرة مؤلفة من ثمانية أفراد ما يكفي لمعيشتهم» (منشيوس 8: 22).
ولتحقيق هذه الغاية أشار منشيوس على الحاكم في أكثر من حوار بألا يتدخل في مواسم العمل الزراعي؛ أي ألا يأخذ الرجال من حقولهم من أجل السخرة في المشاريع العامة أو المشاركة في الحروب ، في الوقت الذي يتوجب عليهم فيه القيام بالعمل المنتج إبان موسمه. ومن ذلك قوله لهوي ملك ليانغ عندما شكا إليه تناقص عدد السكان في دولته: «إذا لم تتدخلوا في مواسم العمل الزراعي، صار لديكم من الحبوب أكثر من حاجتكم، وإذا احتطبتم في التلال والأحراش في الأوقات المناسبة، صار لديكم من الحطب أكثر مما تحرقه مواقدكم؛ عند ذلك سيغدو كل فرد قادرا على إعالة والديه في حياتهما، وتأمين جنازات لائقة لهما بعد مماتهما» (منشيوس 1: 3).
ولكي يكسب الحاكم قلوب الرعية عليه أن يكون بمثابة الأب والأم لها؛ أي إن العلاقة بين الحاكم والمحكوم تقوم على أساس شخصي وعلى أساس أخلاقي أيضا؛ فالإحسان الذي هو أول تجل للمروءة في السلوك يتجلى أولا في علاقة المرء بأبويه: «محبة الوالدين هي الإحسان» (منشيوس 3: 15). وما على الحاكم أن يقوم به هو توسيع دائرة المحبة التي جمعته بأبويه لتشتمل على الرعية، وبذلك يتم التأسيس لما يدعوه منشيوس بالحكم الخيري (المحسن، الرحيم). والحاكم المحسن لا غالب له في جميع البلاد، ويغدو ملكا على الكل بمشيئة السماء (منشيوس 3: 5). ومن هنا جاء لقب ابن السماء الذي يطلقه الكونفوشيون على الملك الفاضل المؤهل لتوحيد البلاد.
مثل هذا الحاكم ليس بحاجة إلى شن الحروب من أجل بسط سلطته على رعايا الدول الأخرى؛ لأن الناس سوف تتقاطر إليه من كل حدب وصوب مثلما يتدفق الماء نحو المناطق المنخفضة، وتعطيه ولاءها عن طيب خاطر؛ فحروب الحاكم المحسن هي دوما حروب دفاعية، أما الحروب الهجومية فينبغي ألا تشن إلا تحت شرطين؛ الأول: أن تكون حملة تأديبية تهدف إلى إسقاط طاغية فاسد استجابة لرغبة رعاياه. والثاني: أن يتمتع من يشن هذه الحملة بالسلطة الأخلاقية التي تخوله ذلك. وحول هذا الموضوع نقرأ في كتاب منشيوس أن أحدهم سأله عما إذا كان قد شجع دولة تشي على شن حرب ضد دولة يان، فأجابه منشيوس: كلا. كل ما في الأمر أن شن تونغ الوزير في دولة تشي سألني عما إذا كان يصح شن حملة عسكرية على دولة يان، فقلت له نعم يصح، ولكنه لو تابع سؤاله لي وقال: ومن يحق له القيام بمثل هذه الحملة؟ لأجبته: إنه الرئيس المفوض من قبل السماء. ولكن ما حدث فعلا هو أن دولة مثل يان في السوء قد شنت الحرب على يان، فلماذا أشجع هذه الحرب؟ (منشيوس 4: 8).
أفكار منشيوس السياسية هذه تأتي في انسجام مع نظريته في أصل الدولة؛ فالدولة والمجتمع المنظم يقومان على العلاقات الإنسانية؛ المحبة بين الآباء والأبناء، العواطف المتبادلة بين الزوج والزوجة، احترام الصغير للكبير، الواجبات المتبادلة بين الحاكم والمحكوم ... هذه العلاقات الإنسانية هي ما يميز البشر عن البهائم، والدولة مؤسسة أخلاقية، وقد قامت لأنها كانت واجبة القيام، لا لأنها نافعة كما يقول مو تزو. ومثل هذه الدولة قامت في ماض بعيد على يد الملكين ياو وشون.
مشيئة السماء والإنسان المتسامي
كان مفهوم مشيئة السماء خلال مطلع عصر أسرة تشو التي أسست للنظام الإقطاعي، نحو 1027ق.م.، يعبر عن التفويض الذي منحته السماء للأسرة الملكية بحكم الشعب؛ أي إنها كانت مشيئة أخلاقية ذات صلة بأقدار ومصائر الإمبراطورية. بعد ذلك تطور هذا المفهوم في اتجاهين؛ فقد تم توسيع هذه المشيئة الأخلاقية لتشتمل على الأفراد أيضا، وصار كل فرد مطالبا بأن يكون أخلاقيا. كما أخذت مشيئة السماء تتطابق تدريجيا مع مفهوم القدر الذي يتحكم بمصائر الأفراد. ثم جاء كونفوشيوس فقصر مجال فعل القدر ومشيئة السماء على مسألتين هما الحياة والموت، والثروة والجاه، فقال باختصار ودون مناسبة معينة: «الموت والحياة بيد القدر، والثروة والجاه بيد السماء.» ثم جاء منشيوس فألقى ضوءا على مقولة كونفوشيوس المقتضبة هذه، وطورها عندما قال: «هنالك شيء إذا بحثت عنه وجدته، وإذا غفلت عنه أضعته، وبحثك هنا ذو جدوى لتحقيق النتيجة؛ لأن ما تبحث عنه موجود في داخلك. وهنالك شيء تستطيع البحث عنه بوسائل متعددة، ولكن النتيجة متوقفة على القدر؛ لأن ما تبحث عنه موجود خارجك» (منشيوس 13: 3). أي إن مجال فعل القدر في حياة الإنسان يقتصر (كما يقول كونفوشيوس) على الحياة والموت والثروة وبقية الأمور المادية التي يتطلع إليها المرء . وهذه الأشياء موجودة في خارجنا؛ ولذلك فإن تحقيقها لا يتوقف على مدى الرغبة فيها وسعينا في سبيلها، أما تحقيق الكمال الداخلي فمؤكد إذا بذل الإنسان غاية جهده لبلوغه؛ لأن بذور الفضائل مزروعة في داخلنا إذا بحثنا عنها وجدناها. وقد توجه تلميذ بالسؤال إلى منشيوس قائلا: يقال إن كل الناس يمكن أن يصبحوا مثل الملكين الحكيمين ياو وشون، هل هذا صحيح؟ فأجابه: نعم، لا يوجد صعوبة في ذلك، كل ما عليك فعله هو بذل الجهد (منشيوس 12: 2).
وعلى الرغم من أن بعض تلاميذ كونفوشيوس قد بالغوا من بعده في التوكيد على سلطة القدر، إلا أن مساهمة منشيوس في مسألة القدر تتمثل في إيمانه بأن الإنسان يساهم في صناعة قدره بنفسه. فنحن لا نعرف ما سيأتي به القدر قبل وقوعه؛ ولذلك فلا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي في انتظار النتيجة، بل نستمر في بذل الجهد حتى النهاية، فإذا أفلحنا، ألا يكون موقفنا الإيجابي من القدر هو الذي دفع القدر في أحد الاتجاهين؟ إن القدر هو انعكاس لمقدار ما يبذله المرء في الحياة، وفي هذا يقول منشيوس: «من ينمي فضيلة القلب يعرف الطبيعة الإنسانية، ومن يعرف الطبيعة الإنسانية يعرف طريق السماء. على المرء أن يحافظ على طيبة القلب وينمي طبيعته لكي يتوافق مع طريق السماء. عليه ألا يقلب في ذهنه ما إذا سيموت شابا أم سيطول به العمر، بل أن يستمر في تحسين نفسه في انتظار ما سيأتي به القدر، وبذلك يكون صانعا لقدره» (منشيوس 13: 1).
وفي قوله أعلاه: «من يعرف الطبيعة الإنسانية يعرف طبيعة السماء»، يصل بنا منشيوس إلى المرحلة الأخيرة من مراحل تطور الشخصية الإنسانية، وهي مرحلة الإنسان الذي عرف طريق السماء وتوافق أو تطابق معها. وهذه المراحل كما يمكن أن نستنتج مما سبق شرحه حتى الآن: (1)
Página desconocida