مدرّس لَعُدّ من الغرائب.
شيخنا عبد القادر المبارك ﵀، الذي كان راوية العصر وكان من أيسر محفوظاته «القاموس المحيط»، حدّثنا مرة في الفصل أن إخوانه كانوا يعيبون عليه أنه -لاشتغال فكره بمسائل اللغة والأدب- يسلّمون عليه في الطريق فلا يردّ السلام، فعزم يومًا على أن يكون متنبهًا، فسمع وهو خارج من بيته وطء خطوات جاره على بلاط الزقاق، فلما اقترب منه قال له بصوته الجهوري العجيب: "وعليكم السلام"، ثم التفت ليراه فإذا هو بغل الطاحون، أرسله صاحبه إلى البِرْكة ليشرب!
وكنت يومًا من أيام الدراسة في مصر، فركبت الترام مع أستاذ جليل من مشايخ الأزهر، وكان معروفًا بثقل الجسم وخفة الروح، وكان الترام مزدحمًا، فقعد أمامنا رجل رومي (خواجة) ووضع رجلًا على رجل، فأصاب بطرف حذائه جبة الشيخ السوداء، فنبّهه ليُنزل رجله، فقال له: أنا خُرّ (يعني حر). فهممت به، فوكزني الشيخ بيده أن أتركه، فتركته وأنا مغتاظ، وإذا بالشيخ يمد رجليه الاثنتين بالحذاء فيضعهما في حضن الخواجة! فقال الخواجة: إيه ده يا حضرة الشيخ؟ فقال له الشيخ: أنت خر، أنا خُرّين. وارتجّ الترام من الضحك، وهرب الخواجة.
وكان في الشام رجل صالح زاهد حقيقة اسمه الشيخ أحمد الحارون، ﵀، وكان الناس يعتقدون أنه من أهل الكرامات، وهو لا يدّعي شيئًا من ذلك. قصّ علينا بلسانه أنه جاءه مرة رجل في اليوم الثامن من ذي الحجة يسأله أن يرسله إلى الحج، أيام كان السفر إلى الحج يستغرق في البر أو البحر أسبوعًا على الأقل.
1 / 73